شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في الإلحاد > علم الأساطير و الأديان ♨

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 12-20-2020, 03:58 AM SoShow غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
SoShow
عضو جديد
 

SoShow is on a distinguished road
5523355 تاريخ الدّولة العثمانية من أرطغرل و حتى وفاة محمد الثاني 1481 م

تاريخ الدّولة العثمانية من أرطغرل و حتى وفاة محمد الثاني 1481 م
سهيل أحمد بهجت
يمكنك مشاهدة الحلقة على يوتيوب:
https://youtu.be/om9XvSli7RQ
عندما يكتبُ متديّنٌ من المتديّنين – أيّاً كان ذلك الدّين الّذي ينتحله – موضوعا في التاريخ ، فإنّ هذا المؤلف غالبا سيكون محكوما بهواه العقائدي و عقيدته الّتي تتحكّم بنظرته التاريخية ، و قليلٌ منَ المتدينين يمكنهم وضعُ الدّين جانبا عندما يعملونَ كباحِثين. المؤرخ كرجُلِ عِلْم ، حاله حالُ الطبيب مثلا ، عليه أن يتبَعَ الدّليل العلمي لا ما يُمليهِ اعتقادُه الدّيني. مثاله في المسيحية و الإسلام أيضاً أنّ المؤرّخ لن يستطيع إثبات ما إذا كان المسيحُ قَدْ وُلِدَ من أمٍّ عذراء أو أنه كانَ فَقَط شخصاً وُلِدَ لأُمٍّ عذراءَ و أنَّه بالأحرى سيستنتج كمؤرخ علمي أنّ المسيح – لو صحّ وجوده التاريخي - قد عاش كلقيط و تمّ التشكيك في نسبه و بمرور الزَّمَن نشأ اعتقادٌ بين أتباعِه أنَه ولِدَ من دونِ أب و بمعجزة إلهية. إذن ، المتدين يستطيع أن يؤمن أنَّ المسيحَ وُلِدَ من دونِ أب و هو استنتاج إيماني ، لكنَ المؤرخ المُلْزَم باتّباعِ الدّليلِ العلمي سيكونُ جوابه بكل بساطة – مثلا - أنَّ المسيحَ جهِلَ أباه دون استطاعته إثبات معجزة حمل مريم بالمسيح بواسطة ملاك عِبْر الاستدلالِ العلمي و سيقول أنّ ولادتَه المعجزة لا يمكن إثباتها علمياً.
مثالٌ آخر ، هذه المرة من سيرة محمد و معركةِ بَدْرَ حيثُ هُزِم سادة قريش الوثنيون – أو المشركون كما يسميهم القرآن – إذ يعلن القرآنُ أنّ اللهَ أمدَّ المسلمينَ بملائكةٍ يقاتلونَ قُريشاً معهم. المؤرّخ كباحثٍ يأخُذُ بالدليل العلمي و هو يستطيع بحث الأسباب الموضوعية لانتصار محمد و أصحابه يوم بدر لكنه لا يستطيع إثبات الادعاء الدّيني بأنّ الملائكة شارَكَت مع المسلمين ضِدَّ الوثنيينَ في تلك المعركة.
طرحت هذه المقدمة لأننا نجد أن المؤرخين المسلمين دائما يميلون إلى تحليل الانتصارات التي تمت للعثمانيين و فتوحاتهم الشاسعة و قيامِ إمبراطوريّتهِم و يعزونها للدور الديني و أنّ الامبراطورية العثمانية كانت تستمد قوتها من الإسلام كدين و عقيدة. هذا التحليل ليس فقط مناقضا للعلْم و الواقع فحسب ، بل هو تبسيطي و سطحي للغاية ، هذا النمط طبعا لا يقتصر على المسلمين فحسب ، بل يمتدُّ لغالبية الأديان أو كلها.
إسماعيل أحمد ياغي في كتابه الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث – مَثَلاً - يفعل بالضبط ما أشرنا إليه في بداية حديثنا عن خطورة خلط الدوغمائية الدينية بالبحث العلمي الذي يفترض بهِ أن يكون مُحايدا و علمياً ، و إلا فإن هذا البحث سيصبح مجرد ترفيع و ترقيع لسياسات أي دولة من الدول و هو بالضبط ما فعله الدكتور إسماعيل أحمد ياغي حيث يتحدث عن الإمبراطورية العثمانية في إطار هالة التقديس الدّيني و بنزعة إعجاب لها كحامٍ و مدافع عن الإسلام ، متناسيا أنّ الدولة العثمانية كانت في قمّة تديّنها و تطبيقها للشرائعِ الإسلامية عندما شَعَرَ السلاطين و الوزراء أنَّ عليهم اللحاق بركبِ الدّول الأوروبية التي طوّرتْ أنظمتها السّياسية و الاقتصاديّة و العسكرية بحيث امتلكت قوةً أظهرت للأتراك أنَّ الأدعية و الأذكار لم تعُد تجلِب الانتصارات أو تَمْنَعُ السلطنة مِنَ الوقوع في مَطبّات الانقسام و الإنهيار.
الدولة العثمانية استطاعت البقاء لمدّة طويلة امتدَّت من القرن الخامس عشر الميلادي – حوالي 1400 إلى سنة 1918 حيث حلّت نهاية الإمبراطورية و مِن ثمّ إلغاء مصطفى كمال آتاتورك – أول رئيسٍ للجمهورية التركية – للخلافة و السلطنة العثمانية سنة .1922 هذه الإمبراطورية بقيت قوية طوال ثبات النظام القديم و نعني بالنظام القديم ذلك الزمن الذي سبق الثورة الفرنسية التي اندلعت سنة 1789 م و ذلك أن غالبية الحكومات في العالم كانت قائمة على شرعية الغلبة و القوة العسكرية و قوة السيف ، لكن ما أن جاءَ الأوربيون – البريطانيون و الفرنسيون و الهولنديون و غيرهم بقوة أكبر – اجْتِماعياً و تقنيّاً و عسكرياً و اقتصاديّاً – حتى اهتزت هذه الإمبراطورية العثمانية الّتي كانت تغلّفُ حكمها التعسّفي بشرعيةٍ دينية تقوم على استمرارية سلطة فتاوى الفقهاء و التي هي نتاج قرون للصراع الأموي-العلوي-العباسي على السلطة في الإسلام و من ثمّ كان رجال الدين يمتهنون حرفة إضفاء الشرعية على الحكّام و تبرير عقوباتهم القاسية – كالإعدام بالخازوق مثلا.
عندما اكتشف الأوربيون الأنظمة السياسيّة الحديثة ، و عندما هزم نابليون مماليك مصر التابعين للدولة العثمانية ، أدرك العثمانيون أنهم بحاجة ملحّة للإصلاح و لتطوير الدولة العثمانية لمنع السقوط المحتوم. لكن فلننظر أولا من هم الأتراك و من المهم ملاحظة أن الشعوب التركية شيء و الشعب التركي الّذي يعيش في الجمهورية التركية الحالية لديه ما يميزه لغوياً و ثقافياً و دينياً عَن تلْكَ الشعوب التركية الممتدة مِن شمالِ الصين و جُنوب روسيا و حتّى أوربا الشّرقية.
من المهم أن لا ننسى أنّ العثمانيين – كأيّ قبيلة غازية تنهب و تسلب و تنتزع الأراضي – لم يكن هدفهم نشر الإسلام و العدل و توزيع الحقوق كما تزعم المصادر الإسلامية ، قديمها و حديثها ، بل العكس هو الصحيح و هو أنَّ العثمانيين جاؤا كغزاةٍ من منطقة آسيا الوسطى – على الأغلب هرباً من الضّغط المغولي الّذي أزاح قبائل تركية عدة – كالسّلاجقة مثلا – و بالتالي لم يجد العثمانيون – و عثمان هو اسم جدّ العائلة العثمانية التي كانت تقود جماعة من القبائل التركية – منفذا للنجاة من الاستعباد المغولي التتري الذي بدأهُ جنكيزخان تيموشن في بدايات القرن الثالث عشر الميلادي – أي ما بعد سنة 1200 ميلادية – و هو الغزو الذي مهّدَ لقيام الإمبراطورية المغولية الممتدة من الساحل الشرقي للّصين و حتى دمشق في الشرق الأوسط و مناطق أوروبا الشرقية شمالا بعد غزو القبيلة الذهبية لشمال الروسيا و مناطِق في أوروپا الشرقية. و هكذا فإن العثمانيين و معهم قبائل تركية عدة لم يأتوا للشرق الأوسط و تركيا الحالية مدفوعين لا بدوافع إسلامية أو دينية كما يزعم إسماعيل أحمد ياغي مؤلف الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث و أيضاً سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث صاحب أطلس تاريخ الدولة العثمانية الذي يمدح العثمانيين لاعتناقهم المذهب السّنّي و اضطهادهم لمَن يُسَمّيهِم بالزنادقة الشيعة و الرافضة و غيرهم من المخالفين لعقيدته و هناك غيرهما كثيرون ممن كتبوا بهذه العقلية ، و لا كانت عند العثمانيين أي دوافع قومية أو وطنية – على الأقل في القرون الأولى للدولة – لأنَّ ذلك الزمن لم يعرف عواطف قومية و هو ما يزعمه كاتب تاريخ الدولة العثمانية يلماز أوزتونا الذي لا يكتفي باعتبار الدولة العثمانية عظيمة بسبب عقيدتها الإسلامية بل و يمجّد الأتراك و المغول أيضا بسبب انتمائهم للعائلة التركية بل و يمدح تيمور لنگ المسلم السنّي الحنفي – رغم أنّه كانَ ذبّاحا كجنكزخان – حيث يصفه بالقول ج 1 ص 57 بأنه:

فترى تعظيم هذا الكاتب التركي الحديث للحرب و الغزو لا يختلف عن العاطفة الحربية للإسلاميين العرب.
هناك جدل كبير حول الموطن الأصلي للشعوب التركو-مغولية حيث أنّ هذه الشعوب لها أصول مشتركة مع الشعوب الصّينية و اليابانية و الكورية و في زمننا الحاضر لا يعرف غالبية الناس أنّ البلگار و الهنگار – بلگاريا و هنگاريا – و آذربيجان و تركمانستان و أوزبكستان و غيرها من الدول تشترك في كونها شعوباً تركية-مغولية و غالبية الشعوب التركية المغولية تقسّم إلى القبائل الرئيسية التالية:
الهون و هم قبائل مغولية اجتاحت أوروبا بين القرنين الثالث و الرابع الميلاديين حيث عاثوا فيها خرابا و دماراً و هذا كان له أكبر الأثر في سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية لاحقا في القرن الخامس الميلادي ، لكنّ وجودهم انحسر من وسط أوروبا في أواسط القرن الرابع بعد هزيمتهم أمام الجيش الروماني ثمّ وفاة زعيمهم أتيلا في سنة 453. كذلك هناك قبائل الأويگور الذين سكنوا بين منغوليا و الصين و هم أهل المنطقة التي تعاني من اضطهاد صيني مؤخرا. و كذلك هاجر البلگار من السهوب المغولية و الروسية إلى أوروبا الشرقية – و بلگاريا استمدّت اسمها من هذه القبائل – و هذه القبائل أيضا كانت ضمن غزو الهون و قبائل أخرى في القرنين الثالث و الرابع و قد دخل البلگار في تحالف مع الشعوب السلافية المجاورة و اعتنقوا المذهب الأرثودوكسي البيزنطي سنة 864 ميلادية.
الأتراك أيضا وجدوا طريقهم إلى الشّرق الأوسط حيث قام الخليفة العباسي المعتصم بالله بتشكيل حرسٍ خاصٍ له من الأتراك – ربّما لإضعاف الدور المهيمن للفرس الّذين كانوا يمثّلون العمود الفقري للدولة العباسيّة. و خلال القرون التالية و مع مجيء المدّ السلجوقي التركي ، خسرت الحضارة الإسلامية عصرها الذّهبي و الّذي تمثّل في إضعاف التعصّب السّنّي و لكن بمجيء القبائل السلجوقية البدوية الّتي تبنَّت المذهب السّنّي بشكل حرفي أنتهى الإسلام كمنطقة منتجة للفكر و الإبداع الذي امتد طوال العصر العبّاسي الأول و طوال الكونفدرالية البويهية و بمجيء السلاجقة غرق الإسلام مجدّدا في قرون من الحروب و الصّراعات.
السلالة العثمانية "أوسمانلي"
نستطيع القول أنَّ الدّولة العثمانيَة كانت تبدأ تاريخ سلاطينها بالسلطان عثمان بن أرطغرل الأول الّذي يجهل المؤرخون تاريخ ولادته و لكنهم يخمّنونَ أنّه توفي حوالي سنة 1324 م و يقال أيضا أنّ جدّه كان يسمى سليمان شاه أو سليمان المَلِك. معلومات المؤرخين عن عثمان الأول ضئيلة جدا و لكن المؤرخين يكادون يُجمعونَ على أنَّ السلطان عثمان الأول كان واحدا من ضمن عدة قادة للقبائل التركية المستوطنة لمنطقة ساقاريا Sakarya Region و أنه بفضل ذكائه و بعضٍ من الحظ استطاع أن ينتزع مناطق من الإمبراطورية البيزنطية – الرومانية الشرقية – ليضمّها لإمبراطوريته الوليدة. يُعتَقَدُ أنّ عثمان الأوّل قد توفي بعد فترة قصيرة من فتح بورصة و التي كان الرومانيون البيزنطيون يسمونها Poursa و أن ابنه أصبح السلطان أورخان أو سلطان أورهان و الذي سيحكم من 1324 و حتى 1359 و هي ثلاثة عقود كانت كفيلة بجلْبِ مزيد من الاستقرار للدّولة.

يعتقد المؤرخون أنَّ أحد أسباب نجاح عثمان الأول كان بسبب تعامُله الحسن و صداقته مع فلاحي منطقة بثينيا الرومانية التي امتدّت من بحر مرمرة و حتى البحر الأسود. و يبدو أيضا أن منطقة بثينيا الزراعية عانت اضطهادا و أهمالاً من الحكومة البيزنطية و كذلك كان أهالي المنطقة بحاجة إلى الحماية من قبائل تركية أخرى كانت تغزو و تنهب في المنطقة. بعد انتصاره على البيزنطيين في معركة بافيوس Bapheus سنة 1301 استطاع عثمان الأول السيطرة على محيط منطقة نيقوميديا (إزميت في تركيا حالياً) و استطاع بهذا الانتصار أن يضمّ إليه العديد من القبائل التركمانية المحاربة. لكن هذه العلاقة السلمية لم تكن تشمل بعض كبريات مدن منطقة بثينيا و بالتالي قام عثمان بحملة نهب و سلب عامة مضعفا الحالة الأمنية و المعيشية لأهالي تلك المدن. خنق اقتصادات تلك المدن و علاقاتهم الاقتصادية بفلاحي الأطراف مكَّنَ عثمان من ضمّ تلك المدن من دون مقاومة. لحسن حظّ عثمان الأول انشغل المغول بحروبٍ أخرى ، كما فشلت حملة شنّها الامبراطور الروماني البيزنطي اندرونيكوس الثاني بالايوغوس (حَكَمَ 1282 – 1328) في سنة 1303 و لم يجد سكّان بثينيا مناصاً من اختيار عثمان الأول كحامٍ لهم يدفعون له ضرائبهم. يملك المؤرخون معلوماتٍ قليلة جدّاً عن طبيعة إمارة عثمان الأول و لكن وثيقة وقفية – تابعة للأوقاف أو الأملاك الدّينية - و قطعة نقد فضية مضروبة تعودان لسنة 1324 م تعطيان فكرة موثوقة عن هذه الإمارة. فالقطعة النقدية تظهر امتلاك عثمان الأول لما يكفي من الاستقلال و القوة بحيث يضرب نقودا كإعلان استقلال سياسي و أنه كان بالفعل ابن ارطغرل و خليفته كما تنص عليه الوثيقة المذكورة و التي تسمى إسكندرنامة ، كذلك مدخل الوثيقة تذكر أن عثمان وقّع على الوثيقة باسمه و إلى جانبه توقيع ابنه و خلفه أورهان.
المصادر الثانوية الأكثر وفرة تبقى أقلّ موثوقية و هي مدوّنة من قبل البيزنطيين و هي تأتي بحوالي قرن من الزمن بعد وفاة عثمان الأول. بعض المصادر البيزنطية الأقرب لزمن عثمان الأول تعود لكتّاب كـتواريخ نيكوفورس كريكوراس (1295 – 1359م) و الإمبراطور جون كانتاكوزينوس (1341 – 1353م) و تاريخ جورج باخيميرس (1242 إلى حوالي 1310م) و هذا الأخير يذكر أن الإمبراطور الروماني البيزنطي اندرونيكوس الثاني بالايوغوس (حَكَمَ 1282 – 1328) حاول في الواقِع استرداد المنطقة مرة ثانية و أنّ العثمانيين باغتوا جيشه ليلاً و هزموه ثانية. باخيميرس يذكرُ أيضاً أنّ عثمانَ الأول حاصرّ بروسا و بيجاي على بحر مرمرة و أنّه شنَّ هجوما فاشلا على إزنيك التي كانت تُسَمّى نيكايا آنذاك. حسب هذا التاريخ فإنه يبدو أنَّه بحلول سنة 1308 م كان غزو بيلوكومي و الحصون المحيطة بوادي نهر ساقاريا قد أتاح لعثمان غزو المناطق الريفية الغربية لساحل بحر مرمرة و هو ما أكده أحمدي في مدونة إسكندرنامة و مؤرخون غير بيزنطيين آخرون. تبدأ مصادر لاحقة – بدءا من القرن ال16 – تخلقُ نَسَباً تعظيميّا و تشريفياً ذا طابع أسطوري و خرافي للعائلة العثمانية الحاكمة. من هذه القصص الخرافية قصة رؤيا رآها عثمانُ الأول عندما كانَ ضيْفاً لدى الشيخ إديبالي. تقول الرواية أنَّ عُثمان رآى هِلالاً يبرزُ من صَدْر الشيخ إديبالي – أعتقد أن اسم الشيخ هو تحوير لاسم أديب علي - ثمّ حلَّ في صَدْرِ عثمان الأول و أنّهُ عند ذلك بزغت شجرة ضخمة خَرَجَتْ من صَدرِ عثمان و لتمددّ إلى ربوع الأرض و فَجأةً تحوّلَت أوراقُ الشجرةِ إلى سُيُوف مُشرعةٍ تجاهَ القُسْطنطينية التي بَدَتْ كماسةٍ محاطةٍ بالياقوت و إذْ مَدَّ عثمان يدهُ للماسة ، أفاقَ عثمانُ مِن نومه. هذه الرؤيا أقنعت الشيخَ إديبالي أن يزوّج ابنتهُ لعثمان الأول لأنّه صدّقَ أنَّ هذه الرؤيا كانت تنبؤاً بأن عثمان سيخلق مملكةً عظيمة. هذه الأسطورة الآخروية يجِب أنْ تـُفـْهَم على أنّها إبداعٌ لاحِق لخلقِ إيمانٍ بأنّ السّلْطنة العثمانية مَدْعومةٌ إلهياً ، بأنَّ جيوشَ السلطنة غَيْرُ قابِلة للهزيمة ، و أنّ السلالة العثمانية تمتاز عن غيرِها. كما أنّ مصاهرته للشيخ إديبالي جعله مرتبطاً بنسب زوجته العلوي إمتداداً للنّبي محمد و ارتباطا للعائلة العثمانية بمحمد. هذه القِصة بالأحرى اخْتُلِقَت في زمن السلطان سليم الأوّل (حكمَ من 1512 إلى 1520 م) لإقناعِ المسلمين أنّ السلطان سليم ياوز يَحِقُّ لهُ شرعاً اتّخاذَ لقب (خليفة). مثالٌ آخرُ شبيهٌ بما سَبَقَ حصل مع المؤرّخ البيزنطي جورج سفرانتزيس 1413 – 1477 م) الذي أعلن أنّ النّسَب العثماني يتصل بعائلة كومنينوي Comnenoi النبيلة الّتي حَكَمَت القسنطنطينية قبل أن يقومَ محمد الثاني بفتحها سنة 1453 و يحمل لقب فاتح ، و هذا الزّعم إنّما اخترعه سفرانتزيس لشرعنة الحكم العثماني في القسطنطينية. مراجعة مصادر كرحلات إبن بطوطة (1324 – 1333 م) و آخرين معاصرين لعثمان الأول لا يذكرون سوى أنه كانَ من أصولٍ متواضعة.
السلطان أورخان الغازي (1324 – 1362 م)
خَلَفَ السّلطان عثمانَ الأول إبنه أورخان أو أورهان المعروف بالغازي و هو حفيد الشيخ إديبالي الّذي رأيناه يزوج ابنته للسلطان عثمان بعد الرؤيا التنبئية. ممّا أنجزه أورهان غازي هو توسّعه نحو منطقة أناتوليا (الأناضول) و اجتيازه نحو البلقان في أوربا الشرقية. و على عكس سيرة والده الضبابية فإنّ سيرته و غزواته موثّقة تاريخياً بتفصيل أكثر. أورهان أسّس العديد من المساجد في المناطق الّتي قامَ بغزوها و ضَمِّها لدولته ، كما أنّه أسَّسَ نُزُلاً و تكايا لدراويش الصّوفيّة و مدارس و دوراً للعمَل الخيري. بصعوده إلى سَدّة الحكم ، ضرب أورهان عُمْلةً فِضيّة أسماها آقجة. تقول الأخبار التاريخية أنّه تزوّج سنة 1299 أميرة رومانية بيزنطية اسمها نيلوفر و هي إبنة أمير قلعة يارهسار الواقعة في منطقة نهر ساقاريا في شمال غرب تركيا الحالية و لكن لم يتم تعيين مكانها بالضبط. كان المفروض أن يُصبِحَ إبنهما الأول سليمان باشا و هو وليُّ العهد أن يصبح السلطانَ بعْدَ أبيهِ أورهان ، لكنّه توفي سنة 1357 في حياةِ والده ، و بالتالي أصبح إبنهما مراد السلطان و سُمّي بمراد الأول الذي حكم من (1362- 1389 م).
المؤرخون البيزنطيّون و المصادِر البيزنطية تورِدُ معلوماتٍ وافيةً و واقعية عن السلطان أورهان كالمؤرّخ نيكوفورس كريكوراس (1295 – 1359م) و الإمبراطور جون كانتاكوزينوس (1341 – 1353م) الّذيْن عاصَرا السلطان أورهان، و هذه المعلومات البيزنطية الحافلة بوصفٍ دقيق هي أفضل من المصادِر التركية العثمانيّة التي لا تذكر شيئا عن السلطان أورهان إلا بعدَ قرنٍ من وفاته و هيَ أيضا تبالغ في المديح و التعظيم ممّا يُقلّل من قيمتها العلمية. المصدر التّركي الوحيد الجَدير بالثقة يأتي من إمام الصلاة ياهشي فقيه الذي كان يَؤمُّ الصلاة للسلطان و هو تاريخ يصفُ السلطان بواقعية أكثر من المصادر التركية الأخرى. شاركَ أورهان مع والده عثمان الأول في غزو ساحِلٍ محاذٍ للقسطنطينية و كان أوّل انتصاراته هو استيلاءهُ على مدينة بورصة – التي كانت تسمى بروسا – سنة 1326 م ليحوّلها فيما بعدُ عاصِمةً لدولته و هو ما أظهر اهتمامه بضَمّ أراضي الدّولة البيزنطيّة الرومانية مستقبلاً. استطاع السلطان أورهان أن ينهبَ ثرواتٍ ضخمة من المدن البيزنطية مما أرعبَ سكّان الإمبراطورية و مما جعلهُ أيضا يكرّر ما حصَلَ مع النّبي محمد حيث جاءتِ الغنائم و العبيدُ بمزيدٍ من المؤيّدين و السّاعينَ في الاغتناء. عدم قدرة الإمبراطورية البيزنطيّة على صدِّ هذا الغزو و التوسّع التركي العثماني تجلّى في هزيمة الإمبراطور أندرونيكوس بالايالوغوس الثالث (1328 – 1341 م) في معركة بيليكانون سنة 1329 و الّتي مكّنتْ السُلطان أورهان من الاستيلاءِ على مُدُنِ منطقةِ بثينيا التي كانت تحتَ الحِصار. في سنة 1331 استسلمت مدينة نيسيا (إزنيك الحالية في تركيا) و على الرّغمِ من أنّ الإمبراطور الروماني البيزنطي أُجْبِرَ على دَفْعِ مالٍ كعَوَضٍ و حماية عن الغزو التركي ، إلا أن العثمانيين إستولوا على ميناء نيقوميديا (إزميت الحالية) سنة 1337 م. لكنَّ هذا لا يعني أنّه كان من المستحيل أن يوجدَ تقارُبٌ بين العثمانيين و البيزنطيين حيثُ يخْبرنا التاريخ أنّه بالفعل حصَلَ تحالفٌ حَذِر بينَ الطرفين حيثُ تحالَفَ السلطان أورهان مع الإمبراطور جون كانتاكوزينوس السادس (حكم 1347 – 1354 م) في الحَرْب الأهلية البيزنطية الّتي امتدّت من (1341 إلى 1347 م) و هي مشاركةٌ أفادَت العثمانيين أكثر من البيزنطيين حيث أنَّ استكمال عديد الجيش البيزنطي الذي افتقَرَ إلى القوة البشرية تمَّ عبرَ الزَّج بجنود عثمانيين مع الجيش البيزنطي الذي جاء مع ثَمَنٍ باهِظ. زواجُ السلطان أورهان من الأميرة ثيودورا ابنة الإمبراطور كانتاكوزينوس السادس كانت صادِمةً للبيزنطيين و تأثير الزواج على سياسات سليمان باشا – في البلقان – كانَ بلا تأثير حيثُ عاثَ فيها تخريباً و نهبا. المؤرّخ البيزنطي نيكوفورس كريكوراس انتقَدَ بِحدّة تحالف الإمبراطور كانتاكوزينوس السادس مع العثمانيين و الأخير كَتَبَ نادما على تحالفه الّذي أدّى لخسارته لمنطقة تراقيا أو Thrace و الّذي أدّى إلى استعباد العثمانيين لآلاف البيزنطيين و إعادة استيطان آخرين في داخل الأراضي العثمانية قَسراً.

و في 1352 و بفضل معرفتهم بتضاريس و جغرافيّة منطقة تراقيا ، استطاع العثمانيّون الاستيلاء على تزيمبه لتكونَ أوّل حصنٍ عثماني على البّرّ الأوروبي و في سنة 1354 م و بفضلِ زلزالٍ مدَمِّر هَدَمَ أسوارَ و دفاعاتِ عِدّةِ مُدُنٍ ، استطاعَ العثمانيون الاستيلاء على منطقة غاليبولي الحصينة. و هكذا قوّت الحرب الأهلية البيزنطية موقف العثمانيين في المنطقة و بينَ الدول الأخرى. خلال خمسينيات القرن فإنّ أورهان كان يملكُ من القوة بحيثُ عَقَدَ اتفاقا مع الجنويين الإيطاليين و كان يُفاوضُ الملك ستيفان دوشان من أجلِ عَقْدِ زواج مصلحة و تحالف. كانَ أورهان يعي أنَّ مستقبل دولته يعتمدُ على وجود بحريّةٍ قوية و أسطولٍ قويٍّ فقامَ بالاستيلاء على إمارة قاراسي التركمانية ليحصُلَ على منفذٍ على بحر إيجة. في سنة 1361 م قامَ السلطان أورهان بآخِر غزواته عبرَ الاستيلاء على مدينة ديديموتيخون و هي مدينة مهمّةٌ أخرى في تراقيا و توفي أورهان سنةَ 1362 تاركاً خلفهُ دولةً قويّة مع إضافته أراضٍ مهمة في الأناضول و على البرِّ الأوروبي. بُنية الدّولة العثمانية في ظِلّ أورهان تبقى موضوع جدَلٍ واسِع بيْنَ الباحثين حيثُ ترَكِّزُ المصادِرُ البيزنطية المعاصِرة لتلكَ الفترة على الجانِب البدوي الرعوي و التخريبي للدولة العثمانية و لكن في الواقع جلَبت الدولة العثمانية في ظِلِّ أورهان تغييراً ثقافيّاً عميقاً إلى المنطقة. خلال زيجاتٍ مُختلطة معَ الأتراك فإنّ الروم البيزنطيين خسروا أولاً بناتهم ، ثمَّ خسِروا بعدها ديانتهم و لاحِقاً و أخيراً خَسِروا لُغَتهم و هو ما جَعَلَ أسقفَ سالونيكا كريكوري بالاماس يرثى للّذي جرى في رسائل كتبها حينما كان أسيرا في منطقة نفوذٍ عثمانية سنة 1354. فبقدر ما ينعى كريكوري الأسقف تحوّلَ كثيرٍ من البيزنطيين للإسلام و استخدامَ أبناء الأختلاط الروماني التركي للغتين اليونانية و التركيّة ، لكنّه لا يعطي تفاصيل كافية لنستطيع أن نعرف طريقة تعامل السلطان أورهان معَ رعاياه المسيحيين. هذه اللحظة الثقافية المعقدة هي موضوع جدل بين الباحثين حول طبيعة الإدارة العثمانية في ظلِّ أورهان. يُركّز بعضُ الباحثين على الجانِب البدوي من هذه الإمارة و استخدامها مفهوم الجهاد و الحرب المقدسة للتوسّع. معَ ذلك فإنّ هذه الرؤية تواجِه مشكلة وجود اشتراكِ بيزنطيين مسيحيين أيضاً في توسيع الدولة العثمانية. كجوابٍ على هذه الظاهرة يجيب بعضُ الباحثينَ بأنّ تنوّع العقائد و الثقافات داخِل المجتمع العثماني – كوجود فقهاء تقليديين و صوفية سنّيين و شيعة و عَلويين – هو الّذي خلقَ بيئةً لا تنظر للمسيحيين كأعداء حال انضمامهم للمجتمع. و هناك من يقولُ بأن المزيج المسلم – المسيحي من الجيل الجديد ، هم من خلَقَ بيئة تفاهٌم ، لكنّ المناصرين لهذا الرأي هم قِلّةٌ. يبدو أنّ وزراء الدولة العثمانية رأوا العدد الهائل من رعايا الدولة البيزنطية قد أصبحوا من رعايا السلطان العثماني فقرروا تبنّي بعض أنظمة الدولة البيزنطية لاستيعاب هذه الحقيقة.
مراد الأوَّل (1362 – 1389 م)
مراد بن أورهان بن عثمان بن أرطغرل المعروف بِمراد الأوَّل هو ثالثُ سلاطينِ الدّولة العثمانية و هو معروف بغزواته في البلقان ، و يقالُ أنّهُ ولِدَ سنة 1326 و الغريبُ أنَّ غالبية المؤرخين العثمانيين المعاصِرين له كانوا ييسمّونهُ "الأمير" عدا أحمدي الذّي سمّاه سلطاناً. اشتهرَ مراد بأنّه ضاعَفَ أملاكَ الدولة العثمانية بضعفين لتحوي الدولة العثمانية في عهده حوالي 100,000 ميل مربع بينما كانت مساحة الدولة في عهد أبيه 29,000 ميل مربع موزعةً مناصفةً بين البلقان الأوروبي و آسيا الصُغرى (تركيا الحالية). استطاعَ مراد غزوَ مناطِقَ شاسعة في البلقان مستوعِباً حُكّاماً مسيحيين عدّة كتابعين مثلَ الأباطرة البيزنطيين : مستبدُّ ميسترا : قيصر تورنوفو البلغاري : و في أواخرِ أيامِ مراد أصبح ستيفان لازارفيج ابن القائد المهزوم و المقتول لازار الصربي حاكِماً تابعاً للعثمانيين و هؤلاء الحكّام و الأمراء كانوا يزوّدون السلطان بالجيوش و الموءَن كُلّما طُلِبَ منهم. كذلِك تمَيّز عهد مراد الأول بأنّه طوّر أساليب الغزو و الأدارة و المؤسسات الحكومية.
يَصِف المؤرّخون العثمانيون مرادَ الأول بالغازي ممّا يعني أنّه كانَ رجلَ حرْبٍ كأبيه و رغمَ أنّ مراداً استخدَمَ تبريراتٍ دينية كالجهادِ ضدّ جيرانهِ المسيحيين و لكنَّه لَمْ يجد حرجاً في إعلان الغزو من أجلِ الغنائم مِن غير تبرير ديني. نَجَحَ مراد في غزواته بفضل أساليب غزوٍ خاصّةٍ به كمصاهراته لأسيادٍ إقطاعيين مسيحيين و مسلمينَ في الجانبين الأوروبي و الآسيوي من مملكته طالباُ منهم رجالا و تمويناً و تمويلا ليبقيهم تحتَ سيطرته و كمثال أصبحت قيصرية تورنوفو البلغارية تابِعةً لهُ بَعْدَ زواجه من ثامار أُخْت القيصر شيشمان كما أنّ مقاطعة گرميان التركمانية و هي في غربي آسيا الصغرى أصبحت تابعة للعثمانيين بمجرد زواج ابنة الحاكم التركي من سليم الأول ابن مراد و وليّ عهده كجزء من المهر سنة 1375 أو في سنة 1381 م و هذه المصاهرات إنّما تمّتْ تحت تهديد السلاح طبعا.
الأسلوب الثاني الّذي اعتمده مراد الأول كان الهجرة العفوية للمسلمين الأتراك إلى البلقان و لكن في حال لم يقُم الأتراك بالهجرة فإنّ السلطان كانَ يجبِرهم قَسْراً على الاستيطان في منطقة محاطة بمسيحيين سلافيين ذوي نزعة عدائية. الأسلوب الثالث كانَ قيامُ السلطان بوهبِ إقطاعياتٍ للطبقة الغنيّة المسيحية و هذه الإقطاعيات كانت تُسَمّى تيمار و كانت هذه الهبة الإقطاعية تمنح هؤلاء الأغنياء علاقة ولاء للسلطان و للدولة العثمانية.
تطوّر المؤسّسات في الدّولة العثمانيّة
شَهِدَ عهد مراد الأول استحداث مؤسّساتٍ قوّت الجيش و الإدارة مما رسّخَ سلطة الدولة العثمانية. تقوم الحوليات العثمانية التاريخية بتقديم المديح و الثناء للوزير قارا خليل حيدر الدين باشا (توفي 1387) الذي انتمى لعائلة چاندرلي ذات النُفوذ في البلاط العثماني لتأسيسه مُشاة (يايا) حيثُ أنّه قام – ربّما حتى قبلَ سنة 1370 م – بتأسيس نواةِ الجّيشِ الإنكشاري الّذي سُمّي بالتركية ینیچري أي الجُندي الجديد الّذي أصبحَ نوعاً ما حَرساً خاصّاً لحماية البلاط و السلطان شبيها بالحرَسِ البريتوري الروماني الّذي كان أداةً قوية لحماية الإمبراطور الروماني في البداية لكن في النهاية أصبحوا هُم من يعين الأباطرة و سيتكرر نفس الشيء مع الإنكشاريين و علاقتهم بالسلاطين في فترةٍ لاحقة. هذه الفرقة الإنكشارية كان عمادها و أساسُها الذكور الأطفال المأخوذينَ قَسْراً من الأقليات المسيحية و هيَ ضريبةُ أطفال كان يُسمّيها الأتراك دفشرمه أي ضريبة الدّم و كانوا أيضاً يُسْتخدمونَ في الشؤون الإدارية أيضا. بالنسبة لقارا خليل حيدر الدين باشا فإنّه استلم منصِباً رفيعاً أيضا كقاضي عسكر – أي قاضي الجيش. و لأنّه كانَ وزيرا و قاضياً و قائداً للجّيش في آنٍ واحد فإنّه يمكنُ أن يُعتَبر فِعلياً أولَ رئيس وزراء للدّولة العثمانية. كذلكَ عيّنَ مراد الأوّل مُدَرّسهُ لاله شاهين باشا بايلاربايي أي الحاكِم العام لمنطقة روميليا ليكون أول حاكِمٍ رسمي للدولة العثمانية في البلقان.
تعزيز الوجود العثماني في الأناضول (أناتوليا)
انخرط مرادُ الأول في حروب متواصلة في الأناضول لتعزيز حُكمْهِ هناك حتّى سنة 1365 م و تقول المصادر العثمانيّة أنَّ مراد الأول استطاع ضمَّ إمارتيْ گرميان و حَميد في غرب و جنوب غرب الأناضول بين سنة 1375 و 1381 عبر المصاهرة أو الشّراء و يقال أيضاً أن الجيوشَ العثمانيّة ضغطت لتمكّن مرادَ الأول مِن إنجاز ذلك. هذه الإنجازات العثمانية وضعتهُ في موضع احتكاك معَ إمارة القارامانيين أو القاراگولانيين الّذين كانوا يملكونَ جيوشاً و تنظيماً إدارياً قويّاً و استطاعوا ضَمَّ مناطق من الأناضول. طبيعة العلاقات بين العثمانيين و القارامانيين تُظهرُ أنّ سياسيات المصاهرة و ضمّ المناطق عبر المصاهرة لم تكن ناجِحةً دائما. حاول مراد الأوّل أن يَجذب الأمير علاء الدين القاراماني (1361 – 1398 ) عبر عرضه تزويجه إبنة السلطان مراد المدعوة نيلوفر و رغم تتمّة الزواج فإنّ الأمير علاء الدين استمرّ في تحدّي السلطان مراد مما اضطر الأخير أن يشنّ عليه حملةً عسكرية سنة 1386 م و بالفعل خاضَ الطرفان – العثمانيّون و القارامانيّون – معركةً ضاريّة استَحقّ فيها الأمير بايزيد لَقَب يلدرم الّذي يعني الصاعقة و كانَ لكفاءة الجيشِ العثماني و أساليبه الحديثة دورٌ كبيرٌ في الانتصار بينما كان القارامانيّون لا يزالونَ يَعْتَمدونَ على أساليب الحرب التقليدية. لِحُسْن حظ الأمير علاء الدّين تدخّلت زوجته نيلوفر ابنة السلطان لتخلّصه من مصير بشع حيثُ عفى عنهُ السلطان و لكنّ علاء الدين خسِرَ مناطقَ شاسعة مثل بايشهر غرب الأناضول ، و استمرت إمارة القارامانيين مائة سنةٍ أخرى ثم سقطت في أواخر القرن الخامس عشر. استطاع مراد الأول أن يبلغ جبالَ طوروس المشهورة و أن يبلغَ ساحِلَ البحْر المُتوَسّط. في سنة 1388 ضَمّ مراد إمارةَ تَكة الصغيرة أيضا لمملكتِهِ و كانت تَقَعُ جنوبَ إمارة حميد و هو ما عَزّزَ تجارة العثمانيين و أعطاهُم حيويةً اقتصادية.
غزواتُ مُراد في أوروبا
بينَما كانَ مُرادُ الأوّل يعَزّز حدوده و يوسّعها في الأناضول في بدايات حكمه ، كان قادتهُ لاله شاهين و إيفرينوس بگ يستولون على عدّة بلداتٍ في البلقان. بحلولِ سَنة 1369 كانَ العثمانيون قَدْ قاموا بغزو شمال و وَسَط تراقيا Thrace من ضِمنها مدنٌ مهمة في تركيا الأوروبية حالياً مِثلَ إدريانوبل – إدرنه الحالية – و فيليبوبوليس في جنوبِ بلغاريا و يَزْعُم المؤرّخون العثمانيون أن مراد سيطرَ على هذه المناطق قبل تولّيه العَرْش بينما المؤرخون الأوروبيون و الإغريقُ يؤكدونَ أنّ هذا حصل بعد 1369. و حالما تمَّ للعثمانيين السيطرة على إدريانوبل قاموا بتسميتها إدرنة و نقلوا العاصمة و الإدارة إليها ممّا جعلهُم أقرب لتراقيا و بلغاريا و مُلْتقى نهريْ ماريتسا و توندزا الاستراتيجي. هنا أحَسَّ البيزنطيّونَ و حُكّامُ البلقان بخطورة الوضع. في أُغُسطس آب عام 1366 قام تحالُف الإمبراطور البيزنطي جون بالايولوغوس ( حَكَمَ 1341, 1354 – 1391) و ابِنَ عمِّهِ أمير سافوي المَدْعو أميدياو و حاكم جزيرةِ ليسبوس الواقعة في بَحْرِ إيجة الأميرُ الجنوي فرانسيسكو گاتيلوسيو مع صهْر الإمبراطور البيزنطي نَجَحوا في اسْتعادة منطقة گاليبولي مِنْ أيدي العثمانيين ممّا جَعَلَ عُبورَ مضيقِ الدّردنيل صَعْبا على العثمانيينَ و لكن فَقَط لفترةٍ مِنَ الزمن لأنّ مراداً الأول استعادَ گاليبولي سنة 1376 م خلال الحَرْبِ الأهلية البيزنطية.
الأمراءُ المستبدّونَ الصِرب في مقدونيا أيضا أحَسّوا بخطورة الوضع فخرجوا سنة 1371 م لمجابهة الجيش العثماني و في معركة چيرمن تمّت هزيمتُهُم و قتلهم قربَ نهر ماريتسا و لم يكن لأبناء هؤلاء المستبدين خيار غير قبول الطاعةِ و الولاء للعثمانيين. لا تنسى أنّ السلطانَ العثماني أيضاً كانَ مُسْتَبدّاً حالُهُ حال هؤلاء الأمراء الصِّرْبيين. و هكذا مكّن الانتصارُ العثماني في چيرمن تقَدٌّمَ العثمانيين نحو شمال تراقيا و السُهول المَقْدونيّة التي غزاها العُثْمانيّون حتى بلغوا ساماكوف الواقعة جنوبَ شرقيّ صوفيا – عاصِمة بلغاريا الحالية – حوالي سنة 1375 م. اسْتَغَلَ مرادُ بِحنكة سياسية الحَرْب الأهلية البيزنطية الّتي بَدأتْ سنة 1373 م عندما تمرّد أندرونيكوس ابنُ الإمبراطور جون الرّابِع و الأمير سافجي ابن السلطان مُراد مَعاً ضدَّ والِديهما و كانَتِ النتيجة هزيمتهما و تَمّ قَلْعُ عيونِهما. المفاجَئة هيَ أنَّ الأمير أندرونيكوس قامَ و بمساعَدة عثمانيّة جنوية سنة 1373 بالاستيلاء على الحُكْم و ألقى بأبيهِ الإمبراطور جون الرّابع و أخيه الأصغَر امبراطور المستقبل مانويل في السجن. كان هذا مقابِلَ تسليمه لگالیپولي للعثمانيين. لكِنَ حُكْمَ أندرونيكوس لَمْ يستمرّ طويلا حيثُ عاد والدُه جون الرّابع للحُكُم أيضا بمساعدة عثمانية سنة 1379 حيث أصبح جون الرابع تابعاً للعثمانيين. لكِنّ القِصّة لا تنتهي هنا حيث أنَّ الإبن الأصغر للإمبراطور جون و الّذي كانَ يُدعى مانويل ، رفضَ الخضوعَ للعثمانيين و غادَرَ القسطنطينية إلى سالونيكا و أسَّسَ هناكَ بلاطهُ الخاصَّ به و بَدأَ بالهُجومِ على العُثمانيين لكنّ العثمانيينَ أرسَلوا إليه الوزير قارا خليل حيدر الدين باشا الّذي أخْضَعَه للحصارِ عِدّة سنوات ليستسلمَ في النهايةِ سنة 1387. في هذِهِ الأثناءِ ، أوْغَلَت جيوشُ مرادٍ في صِربيا و بلغاريا حيث احْتَلَّ العثمانيون صوفيا و نيش في 1385. هذا مكّنَ العثمانيين مِن مُهاجَمة الأمير الصَّربي لازار حيث شنّوا عليه هَجَماتٍ متلاحقة في السنوات الّتي تَلَت هذه الأحداث ، لكن لازار تَمَكّنَ من هزيمَتهم في پلوچنیک قُرْبَ نيش سنة 1387 م. في السّنة التالية ، لَحِقَتْ بالعثمانيين هزيمةٌ أخرى على يدِ المَلِك ترفتكو البوسني الّذي تعرّضت مناطِقٌه الواقِعة بين صربيا و البحْرِ الأدرياتيكي لغاراتٍ عثمانية مِمّا اضْطَرّ السلطان مُراداً الأوّل أنْ يَقودَ جيوشَهُ شخصيّاً لقتالِ الصِرب سنة 1389. المفاجأة كانَتْ أنّه على الرّغم مِنَ الانتصارِ العثماني في معركة كوزوفو پولژی في الخامس عشر من يونيو 1389 فإنَّ السلطان مُراد فَقَدَ حياته و كذلِك فعل فَقَدَ الأمير الصِرْبي لازار حياتهُ في نَفْس المعركة ليخلفه ابنهُ ستيفان لازارفیچ كأميرٍ تابِعٍ للعثمانيين الّذينَ خلفَ سلطانَهُم مرادَ الأول إبنهُ بايزيد الأول (حكمَ 1389 – 1402 م). مِنَ الصعب أن نُخمّن نسبةَ نجاحِ العثمانيين إلى مواهب السلطان مراد الأول و مدى تأثيره في هذه النجاحات. كفاءة السلطان الإدارية و العسكرية لا تُنْكَر لكن لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الأسياد الإقطاعيين العثمانيين الّذين استوطنوا على التخومِ العثمانية خصوصاً إفرينوس في مقدونيا و عائلة ميهالوغلو في بلغاريا و غيرهم كانَ لهم دورٌ في دَفع البلاط نحو التوسّع. كذلك كان للقادة من أمثالٍ لاله شاهين و الوزير قارا خليل حيدر الدين باشا و من بعدهِ ابنهُ علي باشا دورٌ في هذا التوسّع. كانَ لهؤلاء القادة دورٌ كبير في تشكيل و تطوير الجيش و الإدارتين المدنية و العسكرية للدولة.
بايَزيد الأول يَلْدرم (الصّاعقة) (1389 – 1402م)
وُلِدَ بايزيد سنة 1353 و الأرْجَح أنّهُ سُمّي بايزيد تيَمُنّاً بأبو يزيد البسطامي الصّوفي المعروف في أوائل القرن التاسع الميلادي و أمّهُ هي گولچیچك خاتون. تميّزَ حُكْمهُ بالحروبِ المتواصلة في الأناضول كما أنّهُ عُرِفَ بأنّه مَدَّ في حدود الدّولة العُثمانية إلى نهْرِ الدّانوب غرباً و إلى نَهْرِ الفرات شرقاً. لكِنّه تمَّ تحجيمه بَعدَ أن هزَمَهُ تيمورلنگ ، و هو مُحارِبٌ مغولي شبيه بجنكزخان ، سنة 1402 في التاسع و العشرين مِن يوليو في مَعركة أنقرة. توفي بايزيد سنة 1403 في سَجْن تيمورلنگ و قد قام الأخير بِتَقليص الدولة العثمانية إلى ما كانَتْ عليه في عهد مُراد الأول.
رغْمَ ذلك ، فإنَّ فتوحات بايزيد الأول ألْهَمَت خُلَفاءه مِن بعده إلى حدِّ أنَّهُ بَعْدَ خمسين سنة فقط سيقومُ محمد الثاني المعروف بلقب الفاتِح بفَتْحِ القسطنطينية نفسها. بدأَ بايزيد سيرتهُ كسياسي سنة 1381 بزواجهِ مِن إبنة حاكِم أمارة گرميان اوغلو و هيَ إمارةٌ ذاتُ طابِعٍ بحري و كجزءٍ مِنْ هذه الصَفقة فَقَد أصبحَ بايزيد حاكِماً على كوتاهية الّتي كانت مركزاً للإمارة. هذه الصَّفقة كانَت تعني بدء الحرْبِ مع القارامانيين الّذينَ كانوا يعتبِرونَ أنْفُسَهم الخلفاءَ المباشِرين للسلاجقة الروم – كما كانوا يُسَمّون - الّذين غزوا الأناضول قبلها بقُرون. هذا الصّراع كانَ أحَد أكبر الموانِع للتّوسُّع العثماني حيثُ أنَّ سياسة الوعيد و المصاهرة لم تنفع مع هذه الإمارة. كذلك رأينا كيف أنّ المصاهرة بين القارامانيين و زواج الأمير علاء الدّين من أخْتِ بايزيد لم تمنعه من الدّخول في حَرْبٍ مع العائلة العثمانية. كذلكَ لابًدّ أن نَذكُرَ هنا أنّ بايزيد حينَ اعتلى العرش إثر موتِ والده في معركةِ كوزوفو في الخامس عشر من حزيران يونيو 1389 فإنّه أسْرَعَ بِقَتْلِ أخيهِ يعقوب لكي يتفادى أيّ صرِاعٍ على خلافةِ أبيهما. كذلك قامَ بايزيد بإجبار الأمير ستيفان لازارفیچ على تزويجِ اختِهِ أوليفيرا لبايزيد. و قَد لُقِّبَ بايزيد بـيلدرم منذ تلكَ المعركة فصاعدا بسبب شجاعَتِهِ في المعركة. لكِن بعد الانتصارِ في كوزوفو أصَبَحَ للعثمانيينَ حُدودٌ مَعَ المملكة الهنگارية المعروفة بمقاتليها الأشِداء. و أدّى انشغالُ العائلة الحاكِمة بمعارِك البلقان إلى تَمرّد بعض الأمراء التركمان و استيلائهم على مُدنٍ كانوا يحكمونها قبْلَ الغزو العثماني. لكنّ بايزيد الأول و خلال حملة سريعة بين 1389 و 1390 قامَ باستعادة مُدُن و إماراتٍ كآيدن ساروهان ، گرميان ، منتشه ، و حميد في مناطِقِ غربي الأناضول. ثُمَّ توجّه لقارامان و حاصَرَ قونيا عاصِمة الإمارة الواقعة في جنوبي وَسط تركيا الحالية و لكن أحَدَ الأصْدقاءِ المُقَرّبين لبايزيد چندر أوغلو سليمان بگ أمير قسطمونو الواقِعة على البحْر الأسود شمالا ، أبْرَمَ اتفاقاَ مع القاضي برهان الدّين أحمد السيفاسي ضِدَّ بايزيد. اضطرّ بايزيد إلى أن يَتخلّى عن حصارِ قونيا و توجّه لِقتالِ چندر أوغلو سليمان بگ حَيثُ قَتلهُ بعدَ هزيمتهِ في المعركة و ضَمّ أراضيه لمملكته سنة 1392. أُمراءٌ أقلّ قوة في – بما في ذلك جنوب غرب ساحِل البحر الأسود و منطقة أماسيا و مدينةِ سامسون – أعلنوا ولائهم للسلطان العثماني ، أمّا القاضي برهان الدّين أحمد فلم تنتهِ مشكلتهُ إلا سنة 1398. هذه الحروب الدّاخلية العثمانية التركية في الأناضول أدّت إلى تشجيع الملوك و الأُمراء و النّبلاء المسيحيين لتجاوُزِ خلافاتِهم الدّاخلية لِيَستطيعوا مجابهةَ التهديد العثماني و كانَ البلاطُ الرّوماني البيزنطي أوّل من انتبه لهذا الأمر. هذا الموقف البيزنطي أثارَ حفيظة العثمانيين ممّا دفعَهم لفَرْضِ حصارٍ طويلِ الأمَد على القسطنطينية بدءاً من 1394 و حتّى 1402. لكي يفرضَ سيطرتهُ على المِلاحة في مضيق البسفور ، أمَرَ بايزيد ببناءِ حِصْنٍ على أضْيَقِ نقطةٍ في المَمرّ البحري أقلَّ مِن ثلاثة أميالٍ شمالَ القسطنطينية على البرِّ الآسيوي. هذه القَلعةُ معروفةٌ باسم أناضولو-هيصاري أو القَلْعة الآسوية و هيَ الّتي لَعِبَتْ دوراً مُهمّاً عندما قامَ محمد الثاني بفتْحها سنة 1453 م. في زَمَنِهِ ، لَم يَستَطِع بايزيد فَتحها لانشغالهِ بحروبِ البلقان و الأناضول. لَكن رَغْمَ انشغالِ بايزيد في الأناضول ، كانَ أمراءهُ الإقطاعيّونَ مستمرّين في غزواتهِم و مناوشاتِهم في البلقان و استَمرّوا بالتحرُّش بالهنگاريين الّذينَ اضطرّوا أن يردّوا بالغزو و الهجوم. الهنگاريون تَعرّضوا لهجماتٍ عثمانية متكرّرة من سنة 1390 فصاعدا و التحموا بالفعل في معارِكَ شرسة سنة 1392 عنْدما عَبرَ الهنگاريون نهر الدّانوب الذي عبر حدودهم الطبيعية الجنوبية. في سنة 1393 قامَ بايزيدُ بغزو تورنوفو مضيفاً القيصر إيفان شيشمان (حَكَمَ 1371 – 1395) في الدّانوب البلغاري كحاكمٍ تابِعٍ له مُرْسِلاً إياه حاكِماً على نيكوپول الواقِعة على الدّانوب. أثارَ هذا مخاوف المَلِك سیگیسموند اللوکسمبورگي (حَكَمَ 1387 إلى 1437) فقامَ بِمَدّ نفوذ مملكة هنگاریا نحو شَمال صربيا ، أطرافاً من البوسنة و الإمارات الرومانية كـ"والاكيا" و "مولدافيا" كنوعٍ من خلقِ ممالِك و إماراتٍ يمكن استخدامها كخطِّ دفاع ضدّ أي تهديد عثماني.
في خَريفِ عام 1394 اقْتَحَمَ بايزيد إمارة والاكيا و أطاحَ بصديق الهنگاريين الحاكِم مرسيا (حَكم 1386 – 1418 ) لِيُعيّن بديلهُ الحاكم فلاد (حَكم 1394 – 1397 ). و في ربيعِ 1395 هاجَمَ بايزيد جنوب هنگاريا مرة أخرى و استولوا على نیکوپول و أعدموا القيصرَ شيشمان. بالمُقابِل فإنّ المَلِك سیگیسموند اللوکسمبورگي قامَ باقتحامِ والاكيا و نصّبَ رَجلَه مرسيا بين يوليو و اغسطس 1395 لكنَ موقِعَ سلطة هذا التابِع بقي مهزوزاً. بحلول صَيْف 1396 استطاع المَلِك سیگیسموند اللوکسمبورگي أن يحشدَ حملةً صليبية ضدَّ الغزو العِثماني الإسلامي. إلى جانِبِ المَلِك سیگیسموند ، كانت هذه الحملة مدعومةً مِن قِبَل البابا و دوق بورگوندي و نبلاءَ فِرنسيين. هذه الحملة أيضاً كانت استجابة لنداءِ الإمبراطور مانويل پالایوگوس الثاني ( حكَم 1391 – 1425 م) الّذي كان محصوراً في عاصِمته القسطنطينية و الذي أرْسَل مبعوثاً إلى هنگاریا يطلبُ مساعدة المسيحيين في يناير 1396 لمجابهةِ الغزو الإسلامي. ما يُقارب ال35 ألفَ مُتطوعٍ صليبي جاءوا من هنگاریا و والاکیا و فرنسا و بورگوندي و بدأوا بِحصارِ نیکوپول. لكنّ هذا الجيش افتقرَ إلى المدفعية و في غضونِ فترة قصيرة وصلَ جيش بايزيد البالِغ حوالي 45 ألفاً. في المعركةِ الّتي أعقبَت هذهِ الأحداث – في ال25 و في مصادِر أخرى ال28 من سبتمبر – معركة نیکوپول كانت انتصاراً للسلطان بايزيد بسبب الهجوم المُتعجّل و غيرِ المنظَم لطليعة الجنود الفرنسيين و أيضاً بفضل 5000 آلاف فارس صربي محمّلين بالأدرع الحديدية الثقيلة الّذين أنهوا المعركة بعد الهجوم العثماني الّذي شنّه فرسان السلطان و بالتالي أضعفوا الجيشَ الهنگاري. المَلِك سیگیسموند بالكادِ نجى من المعركة و وصَلَ سِرّاً على مَتْنِ قاربٍ عبر الدّانوب و البحْر الأسود إلى القسطنطينية. هناكَ التقى المَلِك سیگیسموند بالإمبراطور مانويل الّذي كانَ عائداً للدّيارِ عبر البحرِ الأدرياتيكي على متنِ سُفُنٍ مملوكةٍ للبندقية – المدينة الإيطالية المعروفة. و عقِبَ هذه المعركةِ أطاحَ السلطان بايزيد الأول بالقيصر البلغاري إيفان ستراتسيمير ( حَكم 1365 – 1396 ) الّذي تحالَفَ مع الهنگاريين و هذه كانت نهاية حكمه. في السنتين التاليتين ، قامَ بايزيدُ بحملةٍ عسكريةٍ قَضَت على خصميْهِ اللدوديْن الأمير علاء الدّين القاراماني و الشيخ بُرهان الدّين أحمد السيفاسي و ضَمّ مناطقَ نفوذهما للسلطنة العثمانية. الموقِف البيزنطي الدّاعم للجهود في مجابهةِ التّوسّع العثماني دفعَ السلطان بايزيدَ إلى تضييقِ الحِصار على القسطنطينية و وصولُ جَيشٍ فرنسي صغير بقيادة المارشال جين بواسيكو لَم يكُن كافياً لِفَكّ الحصار. الإمبراطور مانويل قرَّرَ أنْ يذهَبَ بنفْسِهِ للغرب ليُقنِعَ الملوكَ و الأمراءَ الغربيين بِمساعَدتِهِ و حينما عادَ إلى القسطنطينية عام 1403 كانَت المَدينة بِأمانٍ لكن لَيس بفضل ملوكِ و أمراءِ أوروبا بل بِفَضلِ تیمورلنگ الّذي سَحَقَ بايزيدَ و جيشه. أعلنَ تیمورلنگ الأناضول منطقةً تابعةً لإمبراطوريته التي أعلنها وريثة لإمبراطورية جنكزخان و أحفاده الإلخانيين الّذين حكموا إيران و العراق و الأناضول. بينما كانَ السلطان بايزيد يعتبر نفسه وريثَ السلاجقة الّذين حكموا نفس المنطقة. شَكَّلَ تیمورلنگ امبراطوريّته المغوليّة الضّخمة مُنْطلقاً من سَمَرْقند مُعتمدِاً على فرسان الجغتاي المحترفين في رميّ السّهام على ظهر الخيول ناشراً جيوشهُ ساحقاً القبيلة الذّهبية في جُنوبِ روسيا و أيضاً في اجتياحِهِ لشمالِ الهَنْد و فارس و سوريا و شَرْقِ الأناضول و كان الصِّدامُ بين بايزيد الأول و تیمورلنگ حتميّاً في هذه الظروف. بدأ الصّراع بين تیمورلنگ و بايزيد في ال28 من يوليو تَمّوز 1402 و هَزَمَ تیمورلنگ السلطانَ بايزيد و أسَرَهُ و أعادَ المناطق في الأناضول إلى الأسيادِ السابقين قبل الغزو العثماني للمنطقة.
للتّو بدأَ صراعٌ بين أبناءِ بايزيد لخلافته على المناطِق المتبقية من إمبراطوريةِ والدِهم المأسور. يقول گونزالیز دي كلافيهو الّذي كانَ شاهِدَ عيانٍ لما حصَلَ لبايزيد: "بايزيد ماتَ بائساً في مارس سنة 1403 و بقيت القسطنطينية مدينة مسيحية للخمسين سنةً اللاحقة". لحُسْنِ حَظّ العثمانيين فإنّ أُسُسَ مؤسّسات عثمانية مهمة كانَت لها جذورٌ في المجتمع و على الأرض كمؤسّسة جني الضرائب و النظامُ الإداري الإقليمي و الجيش ممّا حدا بالنّاسِ إلى التماسِ عودة العثمانيين لجلبهم النظام و الاستقرار الاقتصادي في الأناضول.
السُّلْطان محمّد الأول چلبي قیرشلی (حكمَ 1413 – 1421 م)
وُلِد الأمير محمّد الأول للسلطان بايزيد الأول من زوجتهِ دولت خاتون على ما يقالُ سنة 1387 و يُسمّى بالمؤسِّس الثاني للدولة العثمانية لأنَّ انهيارَ و تَفَكَّكَ الدّولة كانَ وارداً جِدّاً بعدَ هزيمة بايزيد أمامَ جيوش تیمورلنگ و موتِهِ ذَليلاً في السِجْن. خَرَجَ محمّد منتَصِراً في الحربِ الانتقاليّة التي امتَدّت من 1402 و حتى اعتلاءهِ عَرْشَ السلطنة سنة 1413 بعد هزيمتهِ لإخوتِه و من الجَديرِ بالذِّكر أنّهُ على الرّغْمِ مِن أنّه توفيَ و هوَ يَحكُمُ مملكةً أصغرَ مساحةً مِن مملكة والِده ، لكنّه أسَّسَ الدّولة العثمانية مُجدّداً. كَما ذكَرنا فإنّ تیمورلنگ أعادَ للأمراءِ الإقطاعيين مناطقهم الّتي انتزعها منهم العثمانيون ، بينما بَقيت المناطق المتبقية للعثمانيين موقِعَ نزاعٍ بينَ أبناءِ بايزيد ال6 و هُم ( سليمان – عيسى – قاسِم – مصطفى – موسى – و أخيراً محمّد ) و قَد أخَذَ تیمورلنگ كلاًّ مِن الأميرين مصطفى و محمد أسيرين مع والِدِهما إلى سمرقند – الواقعة في أوزبكستان الحالية – و يجدر بالذكر هنا أن الأميرَ موسى أيضا كانَ أسيراً مع شقيقيهِ مصطفى و محمد لكن تیمورلنگ قرّر اطلاقَ سراحهِ لينضمَ هذا الأمير إلى حَرْبِ الإخوة على خلافة أبيهم. الأمير قاسِم الّذي كانَ في بورصا حينما كان والده يقاتِل تیمورلنگ تمّ أخْذهُ مِن قِبَل أخيه سُليمان و مِن ثُمَّ سلّمه للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني ( حكم 1391 – 1425 ) حيث بقيَ يعيش في البلاط البيزنطي إلى حينِ وفاته 1417 م و من ثمَّ من الأمراءِ الباقين بقيَ سليمانُ كحاكِمٍ للبلقان بينما سيطر محمد الأول على منطقة توكات-أماسيا في شمال وسط آسيا الصغرى و مِن هذهِ المنطقة هاجم محمد مدينة بورصا و عندما خرج لقتاله أخوه عيسى متحالفاً مع أميرِ قسطمونو على البحر الأسود ، لقيه أخوه محمد في مدينة إسكيشهر و قتله بعدَ هزيمته في المعركة سنة 1404. و فوراً أسْرَعَ الأميرُ سليمانُ و عَبَرَ إلى الأناضول و استوْلى على بورصة بينما احتمى محمّد في توكات و بَدى حينَها و كأنّ الأميرَ سليمان سيصبِح الحاكِم الأوحد للإمبراطورية على كِلتا ضِفّتيْ البوسفور. بَلْ إنّ هناكَ منَ المؤرّخين من يعتبِره سُلطاناً و يُطْلقونَ عليهِ لَقَبَ "سليمان الأول" و يسمّونَ سليمانَ القانوني العظيم الّذي جاء بَعدَ أكثرَ من قرن ب"سليمان الثاني" و هذا تصنيفٌ تاريخيٌّ غير موفقٍ طبعاً لأنّه لم يٌسيطر على السلطنة بأكملها بل هُزِمَ و قُتِل. قامَ محمد و هو في توكاتَ بتحريضِ أخيهِ موسى على حَرْب أخيهِما سليمان و بالفِعل ظَهَر موسى في شَرقيّ البلقان عامَ 1406 م بَعْدَ أن قبلَ دعوة ميرسيا حاكمِ والاكيا ( هي في رومانيا الحاليّة ) الذي أرادَ إضْعافَ الحكم العثماني في المنطقة و قَد زوّجَ الأميرَ موسى من ابنتهِ لكي يقوّي تحالُفهما و بِحلول سنة 1410 استطاع الأميرُ موسى احتلالَ عاصِمةَ الأمير سليمان في أدرنة و مَدّ حكمهُ خلالَ شبه جزيرة گالیپولی و عندما عادَ سليمانُ منَ الأناضولِ إلى البلقان ناوياً استعادةَ أراضيهِ ، هزمهُ أخوهُ موسى في أدرنة و قتَله في شباطَ سنة 1411 م. الأمير موسى لم يتحلّى بالذّكاءِ الكافي و أثارَ استياءَ أعوانهِ المسيحيينَ الّذين قَرّروا أنْ ينضموا إلى الأمير محمد الذي بدى لَهُم ضعيفاً و أقَلَّ خطراً. و أيضاً قامَ الأميرُ موسى بِحصارِ القسطنطينية – و إن بشكلٍ غير ناجح - لأنّهُ خشيَ أنَّ البيزنطيين سيستخدمونَ أخاهُ قاسِماً و ابنَ أخيه أورهان ابنَ سليمانَ المُقيميْن في القسطنطينية كرهائِنَ ضدّه. و هكذا اقتنعَ الإمبراطورُ مانويل أنَّ الأميرَ موسى هو التهديدُ الأخطر فقرّرَ أن يدعَمَ الأمير محمد. و هكذا و بمعونة الأمراء الأتراك و المسيحيين و الإمبراطور الروماني البيزنطي انطلقَ الأمير محمد و التقى أخاهُ الأميرَ موسى سنة 1413 في معركةٍ حاسمة قربَ العاصِمة البلغارية صوفيا حَيثُ قُتِلَ الأميرُ موسى عندما كبا بِهِ حصانه فماتَ على الفور. و منذ ذلكَ الانتصارِ فصاعِداً سُمّيَ محمد بمحمد الأول السلطان المؤسّس الثاني للدّولة العثمانية. و قَد منحهُ حلفاءه المسيحيون اعترافهم بسيادته مقابلَ تأكيدهِ لهم أنّه سيَتّبِع سياسة سلمية تجاههم جميعا. بحصولِهِ على هذهِ التطمينات ، عَبَرَ محمّد إلى الأناضول ليواجه الأمراء الأتراك الّذينَ دعموا إخوتهُ ضدّه. تميّزت مقاومة كلٍّ من أميرِ قارامان و أميرِ إزمير المدعو جنيد بأنّها كانت شديدة المِراس. لكن رغْمَ هزيمتِه لجنيد و تحويلهِ إمارته إلى ما دون الولاية "سنجق" فقد عَيّنَ جنيدَ والياً على نیکوپول على نهر الدانوب ( في بلغاريا الحالية). لكنَّ إمارة القارامانيين كانَت أشدّ مراساً كما سيكتَشف محمد الأول و خلفاءه لاحقاً.
نجاحاتُ السلطانِ محمّد أثارتْ مخاوِفَ الإمبراطور مانويل. كخطوةٍ مستميتة ، أرسَل الإمبراطورُ ابن سليمانَ المَدعو الأمير أورهان إلى والاكيا في رعاية حاكِمها الّذي خشيَ من تنامي الدولة العثمانية و نفوذها في البلقان. لكِن لسوءِ حَظِّ أورهان فقد أدركهُ عُملاءُ السلطانِ محمد و قلعوا عينيه لكي يصبِحَ فاقِدَ الشرعية. لكنَ مشاكِل محمد الأول لم تنتهي هنا إذْ ظَهَرَ أخوهُ مصطفى في الأناضولِ سنة 1415 ثمّ في والاكيا و كانَ يفاوِضُ البيزنطيين و البنادقة و باقي الأمراء المسيحيين حولَ كيفية إسقاطِ حُكْمِ أخيهِ محمد الأول. رَغمَ أنّ البلاطَ العثماني و مؤرخيه قالوا عن مصطفى هذا أنّهُ مجرّد مدّع كذّاب و أنّه ليسَ أخَ السّلطانِ محمد لكنّ الاحتمال واردٌ جداً أنّ خليفة تيمورلنگ المدعو شاهرُخ ( حكمَ 1405 – 1447) قد أفْرجَ عنه و تركه حرّاً يركضُ وراء أحلامه السياسية لأنّ شاهرخ كانَ غيرَ مرتاحٍ لتنامي قوة العثمانيين قربَ حدوده الفارسية. إنضمَّ الأمير جنيد حاكمُ نیکوپول إلى الأمير مصطفى لمحاربة السلطان محمد و لكنّ الأخير هزمهما فما كانَ منهما سوى الهرب إلى مدينة سالونيكا البيزنطية. توَصّل السلطان محمد سنة 1416 إلى اتفاقٍ مع الامبراطور مانويل و بموجب الاتفاقِ يتم احتجاز الأميرين في القسطنطينية مقابل 10,000 دوكات كتعويض سنوي عن مصاريفِ احتجازهما.
الأميرُ مصطفى لم يكُن التهديدَ الوحيدَ للسلطانِ محمد عام 1416. في جنوب غرب دلتا نهر الدّانوبِ في منطقة تُدعى ديلي أورمان أو الغابَةُ المتوحشة (حاليا تقَعُ في جنوبِ رومانيا و شمال شرق بلغاريا) انْدَلعَت ثورةٌ عارمة يقودها القاضي ذو الشَخصية القوية و الصوفي الشيخ بدرِ الدّين. كانَ هذا الشيخ من مواليد عام 1358 و كانَ قد ولِد في سيمفانا "كيپرينوس" شمال شرق اليونان و كانَ أبوهُ قاضياً شرعياً و أمّهُ يونانية اعتنقت الإسلام. دَرَسَ الشيخ بدر الدين على يَدَيْ والِدهِ ثّمّ انْتَقَلَ إلى قونيا – مركز الطّريقة المولوية – حَيْث دَرَسَ المَنْطِق و عِلْم الفلَك. في أوائل الثّمانيناتِ من القرنِ الرّابع عشر ذهبَ إلى القاهرة الّتي كانَ يحكمها المماليكُ و فيها دَرَسَ اللاهوت الإسلامي – عِلْمَ الكلام – و الطّبَّ و الفقه على يد مشاهير المحامين و الأطباء و الفقهاء و تَمَّ تعيينه مُعلّماً خاصّاً لسلطانِ المماليكِ المستقبلي السلطان فَرَج (حَكَمَ 1399 – 1412). كانَ الشّيخُ بدر الدّين في أصْلِهِ فقيهاً مُتعَصّباً يكْرهُ التّصوف و لكنّ الشيخ حُسين الأخلاطي و الّذي كانَ مِنَ السادة الأشراف عَمِلَ على التأثيرِ في شخصيّة بَدْر الدّين الذي تَحوّلَ إلى متصوف ، ثُمّ أرسلَه الشيخ الأخلاطي إلى تَبريز و أردَبيلَ عاصِمتي التّصوّف الصّفوي الّذي كانَ أساسَ الدّولة الصّفوية في إيران لاحقا بعد 1400 م. ذهَبَ لاحِقاً إلى الأناضول حيث أصْبَحَ داعيةً لشيوعية التّملّك و لوحدة الوجود الّذي يسعى لإزالةِ الفوارق و خلافاتِ الأديان و إزالة الفوارِقِ الطبقية بين الأغنياءِ و الفقراء. حوالي سنة 1410 عَيّنهُ الأمير موسى قاضيَ عسكر في أدرنة و لكنّ وضيفته انتهت بانتصارِ السلطان محمد الأوّل الّذي نفاهُ سنة 1413 إلى إزنيك. يُحتَمَل أنّه في إزنيك كانَ تعرُّفُهُ على حَركةٍ شعبيّة انتهت إلى تبنّي ثورةٍ عارمة في الأناضول قادَها كُلٌّ مِن تورلاق كمال و بوركلوجه مصطفى و الشيخ بدر الدين الّذي يبدو أنّه كانَ الزّعيم العقائدي لهذه الثورة الشعبية و الّتي انتشرت في جنوبِ غرب دلتا الدّانوب. كثيرونَ من مُلاّك الأراضي انضموا للشيخ بدر الدّين ضدّ السلطانِ محمّد لأن السلطان انتزَعَ منْهُم الأراضي الّتي خوّلهم الأمير موسى و الشيخ بَدرِ الدّين العَمَل عليها.
لِسوءِ حظّ الشيخ بَدر الدّين فقد قامَ السلطانُ محمّد بسرعة بإفشال ثورته و في ديسمبر كانون الأول سنة 1416 تمَّ اتهامهُ بترويج فكرة شيوعية الأملاك و الاستهانة بالعقائِد الدّينية و تمَّ إعدامه عَلناً في ساحة سوقِ سيرّيس في مَقْدونيا حيث خُنِقَ على المِشنقة في ذلكَ اليوم ذو البردِ القارِس. لكن رغمَ إعدامه ، بَقيت أفكارُ الشّيخ بدر الدّين رائجةً بينَ أتباعِ الطريقةِ البَكداشية الّتي كانت رائجةً بين الجنودِ الإنكشاريين و مشايخهم. كذلكَ فإنّ السُلطانَ محمّد الأوّل عاقَب اؤلئكَ الّذينَ دعموا ثورة الشيخِ بدر الدّين أيضاً بِمختَلَفِ العقوبات.
في سنة 1419 استطاعَ السّلطان هزيمةَ ميرسيا أميرَ والاكيا و ضَمّها للسلطنة ، كما أنّه فَرضَ التبعيّة على الإمارةِ القارامانية أيضا. و إذْ كانَ السلطان يدرِك تردّي صحته و تَقدّمَهُ في السِّنْ فقد جَعَلَ جُلَّ هَمّه أن ينقل العَرْش بِسَلاسةٍ و دونَ مشاكِلَ إلى إبْنهِ الأكبر مراد. عَقَدَ السلطانُ محمّد اتفاقاً مع الإمبراطور مانويل و بِموجَبِ هذا الاتفاق يعتَرِف البيزنطيّونَ بمراد خليفةً شَرعيّاً لوالدهِ ، كما سيبقى الإبن الآخر للسلطان المدعو الأمير مصطفى في الأناضول ، بينما يَتِمُّ ضَمّ الأميرينِ الصغيرينِ يوسُفُ و محمود – أعمارهما ثمانية و سبعة – في البِلاطِ البيزنطي مَعَ شقيقِ السلطانِ محمد الأول المدعو بالأمير مصطفى مقابَلَ مَبْلَغٍ سنويّ لمصاريفهم و رعايتِهِم. و بالفِعْل فعندما توفيَّ السلطان محمّد الأول في ال15 من يونيو حزيران 1421 خلفهُ ابنهُ الأكبر مرادُ الثاني.
مراد الثّاني (عاشَ 1404 – 1451)
لِسوءِ حَظّ مراد فإنّ حكمهُ لم يكُن بذلك الاستقرارِ و كانَ عليهِ أن يُجابهَ منافِسينِ على العرش هما عَمُّه المزعوم الأمير مصطفى – الّذي رأينا كيفَ أنّ السلطانَ مرادَ أعلنه مُجَرّدَ مدّعٍ لانتمائه للعائلة العثمانية ، و أخَ السلطانِ مراد الثاني الّذي كانَ هو أيضاً يُسمّى بالأمير مصطفى و كانَ هذا الأمير طبعاً غيرَ قابِلٍ للإنكارو كانَ كِلا المُنافِسينِ مدعومينِ من البيزنطيين و البنادقةِ. ولِدَ مراد الثاني في أماسيا سنة 1404 و كانَت أمّهُ محظية للسلطان محمد الأول في حريمه و لا نعرِفُ عنها شيئاً. كانَ على مرادِ الثاني أيضاً أن يواجِهَ الأمراء الأتراك في گرمیان و قارامان و الأسفنديارأوگلولاري أيضاً لأنّهم رفضوا الهَيمنة العثمانية و أرادوا الاستقلال. التهديدُ الأخطرُ لِحكمهِ جاء من الحملةِ الصّليبية الهنگارية حيثُ أنّهُم في شتاءِ 1443 و 1444 و كرَدٍّ على المناوشاتِ العثمانية ضِدّ المملكة الهنگارية و غزوهِ لبلغاريا و تحديداً العاصِمة صوفيا ، فَرضوا على مرادٍ الثاني أن يتنازل عن العرش لإبنهِ محمد الثاني البالغِ 12 سنة فقط و حَكمَ محمد الثاني حينها سنتينِ فقط و ليعودَ والِده للحكم سنة 1446 م. لكِن خلال سَنتي غيابهِ عن الحكم ، كانت علاقة ابنهِ محمّد الثاني الّذي كان متحمّساً للفتوحاتِ سيئةً مع رئيسِ وزراءِ والده المدعو چاندرلي خليل باشا الّذي كانَ يؤمِن بجدوى الدّبلوماسية أكثَر من استعمالِ القوة العسكرية و بالتالي ألَحَّ على مرادٍ الثاني على استعادةِ العرْش و مجابَهة حملةٍ صّليبية هنگارية لم تلتزم بالسّلامِ رغم تنازل مرادٍ عن الحُكْم. كذلكَ لم يَجِد مرادُ بُدّاً من العودة للحُكم لأن الانكشاريين كانوا متمرّدين و يبدو أن إبنهُ محمد الثاني لم يَعرف كيف يجابِه هذه التحدياتِ بِسَببِ صِغَرِ سِنّه. كانَت هذهِ الفترة خَطِرة و حرجة كما كانَت المرحلة الّتي تَلَت هزيمةَ بايزيد الأول أمامَ تيمور لنگ و الصّراع لإعادةِ السلطنة. استِخدامُ مرادَ للقوة العسكرية و بالإرضاء و المصاهرة و خَلقِ تحالفات و غيرِها منَ الطرق أسهمَ في الإبقاءِ على الدّولة العثمانية بَلْ و عزّزَ مِن قوتها في الشطرين الأوروبي و الآسيوي من الإمبراطورية في الشَطْرِ الثاني من حكمه من 1446 إلى 1451 حيثُ توفيَ في تلكَ السّنة. تَرَك مراد الثاني دولةً مستقرةً لابْنهِ محمّد الثاني الّذي قوّى الدولة حينما عادَ و خلَفَ أباهُ ثانية سنة 1451 و حتى وفاته سنة 1481. لكِن فَلنَعُد و نرى كيف كانَت طفولة مراد الثاني و بلوغه سِنَّ الرّشد و حكمه.
عندما كانَ عمرُ مرادٍ 12 سنة تَمَّ إرسالُه إلى أماسيا لكي يمارِسَ إدارة الأمور في مقاطَعة روم و يَتَعَلّم شؤون الحكم. ساعدَ والدهُ خلال الحرب الأهلية (1402 – 1413) و قَد حارَبَ بنفسه ضدّ المتمرّد بوركلوجه مصطفى و بمساعِدة ضَبّاطِه قامَ بانْتِزاعِ منطقةِ سامسون على ساحِلِ البحرِ الأسود مِن أيدي مقاتلَي إمارة الأسفندیاراوگلولاریین. أصْبَحَ مرادُ سلطاناً عِندَما في ال17 بَعْدَ وفاةِ أبيه. كانَ الوزيرُ قَد أبقى وفاةَ السلطان سِرّاً إلى أن وصَلَ الأميرُ مراد إلى العاصِمةِ بورصا ليتسلّم الحكم (يونيو حزيران 1421). الآن لِنَعُد إلى قصّة اتفاقِ محمد الأول مع الإمبراطور مانويل كي يرعى إبنيه محمود و يوسف و يبقيَ أيضاً أخاه (المزعوم) مصطفى رهينةً في القسطنطينية. عِندما جاءَ مراد الثاني إلى الحكْمِ رفَضَ وزراءهُ هذه الاتفاقية و قرّروا الاحتفاظ بالأميرينِ الصَغيرين محمود و يوسُف و كَرَدٍّ على رفض الاتفاقية قامَ البيزنطيون بإطلاقِ عمِّ السلطان مراد الثاني الّذي يسمّيه المؤرخون العثمانيون ب(المدّعي مصطفى) و لكن هذا المدّعي كما يسمّونه كانَ بالفِعلِ قائداً جيدا إذ نَجَحَ في هزيمة جيشِ مراد الثاني و احتَلّ أدرنة العاصِمة و أعْلَنَ نفسهُ سلطاناً و برفقتِه الأمير جنيد الّذي أتينا على ذِكرهِ حينَ تمرّده على محمد الأول. نالَ مصطفى هذا الّذي أعلنَ نفسَهُ سلطاناً دَعْمَ سكّان تخومِ الروملي و دَعم قبيلتيْ ايفرونسوگوللاري و توراخان أوگلوللاري لأنهم كانن لديهم رغبةٌ في أن يكونوا أحراراً في مناطِقهم من العثمانيين. في يناير سنة 1422 عَبرَ الأمير مصطفى من مضيقِ گاليپولي إل الأناضول ب12 ألفَ فارِس و 5 آلافٍ منَ المشاة لكنّ قواتِ مراد استطاعَت إيقافه قبل وصولهِ لبورصه. هَرَبَ مٌصطفى إلى البلقانِ لكنَ رجالَ مرادٍ الثاني قبضوا عليهِ قربَ أدرنة حيث علّقوه بالمشنقة كَدجالٍ و مُجرِم في شِتاءِ 1422. بسببِ هذه الأحداثِ اضطرَّ النبلاءُ الأوربيون الّذين كانوا يعتزمون الزحف لقتالِ العثمانيينَ إلى الاعتراف بالسلطانِ مرادٍ الثاني. بَعدَ سنة من هذه الأحداثِ أي في فبراير شباط سنة 1423 خَرَج الأخ الأصغر لمرادٍ الثاني و الّذي يسمّيه المؤرخونَ العٌثمانيون بـ"مصطفى الصغير" لمقاتلةِ السّلطان و بمعونةٍ بيزنطية و لكنّه كسابقهِ هُزِمَ و تَمّ إعدامه لأنّ أعوانَه و وزراءهُ تركوه و تَخَلّوا عنه. في السّنواتِ التالية ضَمَّ السلطانُ مرادُ الثاني إماراتِ گرميان و آيدن منتشه و تكه ليُقِرّ مرةً أخرى هيمنة العثمانيينَ على جنوبِ غَربِ آسيا الصغرى. رغمَ قوة إمارة قارامان و جيشها العتيد ، لكِنّ مراداً الثاني استطاعَ استغلالَ الموتِ المفاجيء للأمير محمد بگ سنة 1423 و ما أعْقَبَه من صِراعٍ على خلافته. حَيثُ سلّمَ الأمير قارامان أوگلو بگ بن الأمير محمد إلى العثمانيين كلّ أراضي إمارةِ حميد الّتي غنمها والِده. بعدَ أنّ عزّزَ مرادٌ الثاني سلطته في الأناضول ، توجّه بأنظاره نحوَ البلقان و كانَ هدفهُ أن يُعزّز سلطته هناكَ عِبْرَ السيطرة على القِلاعِ و المُدُن الاستراتيجية و لكِنَّ هذِه السّياسة أغضبتْ و أثارَت مخاوِفَ البنادقة و الهنگاريين الّذين رأوا في هذا تهديداً وجوديّاً يَجِب مواجهتهُ.
كان لمَدينة البُندقيّة – Venice – مسْتَعْمراتٌ على طولِ السّاحِلِ الأدرياتيكي المقابل لإيطاليا في تلكَ المُدُن مِن كرواتيا شمالاً و حتّى ألبانيا و المورة أو السّاحِل اليوناني جنوباً. فإلى جانِبِ استِحْواذها على مُدُنٍ مهمة في المورة فَقَد حَصَلَت البندقية من الطّاغية البيزنطي الحاكم للمورة على مدينةِ سالونيكا سنة 1423. استعادة العثمانيينَ لمنطقة ثيسالي الواقعة في قلبِ اليونان و الّتي كانَ بيازيد الأولُ قَد غزاها ثُمَّ تَخَلّى الأمير سليمان عنها خلال الحرب الأهلية (1402 – 1413) للبيزنطيينَ و غَزوِ مُرادٍ أيضا لِجُنوبِ ألبانيا سنة 1430 مَثَّلَ للبنادَقة تهديداً حقيقاً لتِجارَتِهِم. مُراد الثاني لَم يعتَرِف بامتلاكِ البندقية لمدينة سالونيكا الّتي حاصَرها العثمانيون منذُ 1422 م و بالفِعلِ سَقَطَتْ سالونيكا بِيَدِ العثمانيين سنة 1430 و حاولَتْ البندقية مَنْعَ التوَسُّعِ العثماني عَبْرَ عَقدِ تحالُفاتٍ مع خُصومِ العثمانيين كالقارامانيين في الأناضول و البيزنطيين و الهنگاريين و غيرهم. بعدَ هزيمَتِهِ أمامَ العثمانيين في معركة نيكوپول سنة 1396 فإنَّ الملك سيگيسموند اللوكسمبورگي (حكم 1387 – 1437 و الّذي أصبَحَ أيضاً يُلقّبُ بإمبراطور الإمبراطورية المقدسّة بعد سنة 1433) طَوَّرَ خطّةً جديدة لاحْتواءِ تَوسُّعِ العثمانيينَ. خطّة الملِك الهنگاري كانت تتكوّنُ من صيغتين ، أولاً: إنشاءُ إماراتٍ و دويلاتٍ على الحدودِ مَعَ العثمانيين و إنشاءُ حصونٍ و قِلاعٍ جُنوبَ نَهرِ الدّانوب يمكِنُ اسْتِخدامها في حالِ هاجموا. ثانِياً: جيشٌ محاربٌ يسهُلُ استدعاءهُ في حالِ قرَّرَ السلطانُ شَنّ هجومٍ مباغِت. هذِهِ الخطّة كانَت تعني أنّ دولاً و إماراتٍ كَصِربيا و والاكيا و البوسنة كانَ عليها القبول بعلاقةِ تبعية للهنگاريين و كانَت الكارِثة بالنسبة لهذه الدويلاتِ هيَ أنَّ العثمانيينَ أيضاً قرّروا أن يستخدموا نفس هذِه السّياسة ضَدّ الإمبراطورية الهنگارية و بالتالي سعى مرادٌ الثاني لفرضِ سيادته على هذهِ الإمارات. و في هذا الوَضْع المستميت و لِكي تحافِظَ على نفسها قرّرت صِربيا و والاكيا و البوسنة أن تُعلِنَ ولائها للأقوى من الطرفين بحَسَبِ الظروف. صِربيا هيَ خيرُ مثالٍ على هذا الوَضع حيثُ أنّ الحاكِم المُسْتَبِد ستيفان لازاريفيـچ (حكمَ 1389 – 1427) حاوَلَ على الدوام أن يَمتَلكَ علاقاتٍ جيّدة مع مرادٍ الثاني و في نَفْسِ الوقت كانَ يعمَل كتابِعٍ للملك سيگيسموند و أصبحَ واحِداً مِن كبار طبقة مُلاّكِ الأراضي الهنگاريين بَعْدَ 1411. بِحَسَب الاتفاقية الهنگارية-الصربية الّتي في مايو أيار 1426 في تاتا (الواقعة حالياً في شمال غَرب هنگاريا) اعتَرف الملك سيگيسموند بإبنِ أخِ لازاريفيـچ المدعو جورج أو دجورادج برانكوفيـچ كوريثٍ شرعي لعَمهِ و كمالِكٍ لمُمتَلكاته و كحاكِمٍ لبلگراد و گولوباك و هي مِنَ القِلاعِ الحصينةِ للدّفاع عن حدودِ الهنگاريينَ على الدّانوب و الّذي يوصِلُ إلى الملِك سيگيسموند. عندما ماتَ الطّاغِية ستيفان سنة 1427 استحوَذَ الملك سيگيسموند على بلغراد التي أسماها "مفتاحَ هنگاريا". حاكِمُ گولوباك باعَ حِصْنَه إلى العثمانيين تاركِاً فجوة خطيرة في دفاعاتِ الهنگاريين. حاولَ سيگيسموند عَبَثاً الاستحواذَ عليها سنة 1428 و بِحلول عامِ 1433 كانَ العُثمانيونَ قد استولوا على غالبيةِ الأراضي الصّربية جنوبيَ نهرِ مورافا. رَغمَ أنّ الطاغية الصربي جورج كانَ قد زوّجَ ابنتهُ للسلطان مراد الثاني و سلّمَ إبنيهِ كرهينتينِ في البِلاط العثماني ، لكنّ العثمانيين كانوا يرونهُ كتابِعٍ غير موثوق به. مستغلاًّ موت الملك الهنگاري سيگيسموند سنة 1437 و انهيارِ الحكومة المركزية للإمبراطورية الهنگارية ، قامَ السلطان مرادٌ الثاني بالاستيلاءِ على جميعِ صربيا بما فيها العاصمة سميديرفو. باستيلاءه على سميديرفو و گولوباك و سالونيكا ، أعلَنَ مراد الثاني استعادته لأراضي جدّه بايزيد الأول. في سنة 1440 فَشِل مراد في احتلالِ بلگراد بعد 5 أشهُرٍ مِنَ الحصار و هو ما جَعَل المملكة الهنگارية تتخذُ موقِفاً أكثرَ صلابةً و عنفاً و كانَ لإلحاحِ البيزنطيين و البابوية تأثيرٌ كبير خُصوصاً و أن الكنيستينِ الكاثوليكية و الأُرثوذكسية كانتا قَد عَقَدتا مَجْمَعاً كَنَسياً قرّرتا بِموجبهِ توحيد الكنيستين في مَجمَعِ فيرّارا و فلورانسا بينَ 1437 و 1439. الإمبراطور البيزنطي جون پالايولوگوس الثامِن (حَكم 1425 – 1448) وَقّعَ مُوافقتهُ على زعامة بابا روما و سُلطتهُ على الكنيسة الأرثوذوكسية على أمَلِ أن ينالَ دعْمَ الدول الكاثوليكية ضدّ التوسّع العثماني.
هنگاريا الّتي عانَت غاراتٍ عثمانية متواصِلة ، أصبَحَت قائدة التحالُف ضدّ الغزو العثماني و كانَ بَطَلُ هنگاريا الجديد يانوس أو جون هونيادي الحاكم المَلَكي لمنطقة ترانسلفينيا (حكم 1441 – 1456) و قائِدُ بلگراد هوَ الذّي أجْهَضَ عدة هجمات عثمانية في بِداياتِ أربعينيات القرن و قَد هَزَمَ ال(سنجق بگ) حاكِمَ سميديرفو و قائد الجيوش العثمانية في أوروبا بگلار بگ. في أكتوبر 1443 قامَ المَلك الهنگاري فلادسلاس (حكم 1440 – 1444) و الحاكم الملكي جون هونيادي بغزو البلقانِ العثماني إلى حَدِّ أنّهُما احتلاّ صوفيا في بلغاريا. و رَغْمَ أنّ هذه الحملة لم تنتهي باحتلال أي مناطق ، لكنّهما نجحا في فَرضِ سَلامٍ إجباريٍّ على السلطان مرادٍ الثاني و بوسَاطةٍ من زوجة السلطان الصّربية مارا و أبيها جورج برانكوفـچ تمَّ قبولُ معاهدة السلام مع التحالُف الهنگاري في ال12 من يونيو حزيران سنة 1444 و أقرّها البلاط الهنگاري في ال15 من أغسطس آب في نفس السّنة في ناگيفراد (أوراديا ، ترانسيلفانيا).
نَجَح هذا الضغط الّذي جاء بتزامُن تحالُفٍ و ضَغطٍ من الهنگاريين و القارامانيين أيضاً في إجبارِ مُرادٍ الثّاني في التّنازلِ عن العرش لإبنه محمّد الثاني (الذي كانَ يبلغُ ال12 في سنة 1444 حين استلامهِ العرش و غادَرَ مرادٌ الثاني إلى حيثُ سيعتزلُ السياسة في بورصة. نَجَحَت انتصاراتُ الأمير هونيادي في لَفْتِ انتباه البابوية في روما إلى ضرورة القيامِ بحملة صليبية مسيحية لِطَردِ العثمانيين من البلقان. رَغْمَ اتفاقيّة السّلام العثمانية-الهنگارية الّتي تَمّ إبرامها ، فقد قامَت البابوية بإعلانِ أنّ عَقْدَ سلامٍ مع "الكفّار – حَسَبَ تعبير البيان البابوي" باطلاً و وجوب الشّروعِ في حَرْبِ العثمانيين. واحِدٌ مِن المخاطِرِ الّتي واجهها العثمانيونَ هو أن قائِداً من أصْلٍ ألباني اسمُهُ إسكندَر بگ و اسمه الُمْستعار جورگ كاستريوتا – و الّذي كانَ مسيحيّاً أُنشيءَ على الإسلام في بِلاط مرادٍ الثاني و تَمَّ إرسالُهُ إلى ألبانيا كَممَثّلٍ للسلطان – أعلنَ الثورة على العثمانيين سنة 1443. بحلولِ ربيعِ سنة 1444 أنجزَ طاغِية موريا البيزنطي المدعو قسطنطين إعادة تعمير سورِ بَرزَخِ كورنثيا الّذي كانَ يَصُّدُ الهجماتِ حتى القرنِ الخامِس الميلادي ، أي ما يعادِلُ 1000 عامٍ قبلَ إعادة تعميره. بحلولِ صيف سنةِ 1444 أطْلَقَ البلاط البيزنطي سراحَ مُدَّعٍ آخر للعرشِ العثماني ضدّ مرادٍ الثاني و في ال22 من سبتمبر أيلول مِن نفس العام اجتازَت جيوش الحملة الصليبية حدودَ الامبراطورية العثمانية في البلقان. في ظِلِّ هذه الظروف الصعبة ، تَمَّ استدعاءُ السلطان مراد الثاني من اعتكافهِ في بورصة من قِبَل الوزير چاندرلي خليل بگ و اسْتَلَمَ السلطان السابِق زمامَ الجيشِ في العاصمة أدرنة بينَما أبقى على إبنهِ محمد الثاني سلطاناً. و في العاشِر من نوفمبر سنة 1444 التقى الجَيش العثماني بالحملة الصّليبية في فارنا و بتفوق يتفاوتُ بين 40 أو 20 ألفَ مقاتِل استطاعَ السلطانُ إلحاقَ الهزيمة بالحملة. المَلِك الهنگاري فلاديسلاس قُتِلَ في المعركة بينما بالكادِ نجحَ جون هونيادي في النجاةِ بحياته. و استعادَ الطاغية برانكوفيچ سميديريفو و مناطِق أخرى من العثمانيين لأنّه نفّذَ اتفاقه معهم بالبقاءِ محايِداً. مِن هذه الفترة فصاعِدا سَيبدأُ مرادٌ الثاني فترة حُكْمِهِ الثانيّة الّتي تنتهي بوفاته. الانتصارُ في فارنا – رَغْمَ كونِهِ انتصاراً – إلاّ أنّهُ أظهَرَ ضُعْفَ الدّولة العثمانية الّتي كانت بُنْيتها الدّاخلية هشّةً و تحالُفاتها غيرَ موثوقة ، بينما انقَسَمَ وزراءُ مُرادٍ الثاني و وزراءُ ابْنهِ محمدٍ الثاني. عَلى سبيلِ المِثال ، أراد الوزير خليل باشا – و هو الوزير المقرّب من مراد و سَليلُ عائلة چاندرلي العريقة في خِدمة السلاطين – أن تتفادى الدولة العثمانية خوضَ الحروبِ مَعَ القِوى الأوروبية أو عداوة تلْكَ الدّول. بالمُقابِل ، أرادَ وزراءُ ابن السلطان مراد ، و هو الأمير الشاب و الّذي أصبحَ سلطاناً لفترةٍ قصيرة محمّدالثاني ، أرادوا انتهاج سياسيةٍ توسعية و حربية و كانَ هؤلاء الوزراء كأغلبية من طبقة الإنكشاريين الّذين هُم في الأصل أطفالٌ مسيحيونَ تمَّ انتزاعهم من عوائلهم و تمّ تربيتهم و تنشأتهم نشأةً إسلامية. لتفادي هذه السياسة الحربية العدوانية الّتي كانَ يُخَطّط لها السلطان محمد الثاني ، فَقَد استدعى خليل پاشا السلطان مراداً منَ العزلة و طلبَ منه استعادة العرش ، وهذا الموقف أثارَ استياءَ السلطان محمد الّذي أضغن للوزير كراهيةً دفينة حتّى بعد اعتلاءهِ للعرش مرّةً ثانية ، و كانَ السلطان مرادٌ قد استَغَلَّ واحدةً من سياساتِ ابنه الفاشلة لإزاحتِه من الحُكُم حيث أنّ السلطان محمّد قرّر تخفيضَ قيمة العملة الفضّية و عندما استلمَ الجنود الانكشاريون رواتِبهم بتلك القيمةِ المنخفضة ، ثاروا في أدرنة و طالبوا برواتبِهِم بقيمَتِها الحقيقية سنة 1446 و حَلّ هذه المشكلة عودة مراد للحكم. فَورَ عودة مرادٍ الثاني قامَ العثمانيّون باستعادةِ أراضيهم في البلقان و دمروا سور كورينثيا الحصين. لكنّ مراداً الثاني قامَ بآخر إنجازاته الحربية الّتي سيذكرها له التاريخ في معركة كوزوفو پولدجه الثانية في ال16 و إلى ال18 من أكتوبر سنة 1448 حيثُ هزموا جيشاً آخر لحملةٍ صليبية ثانية بقيادة الأمير هونيادي الهنگاري. لكِنّ الحملة ضد إسكندر بگ الألباني كانت محدودة النتائج. عندما توفي السلطان مرادٌ الثاني سنة 1451 و اعتلى ابنهُ محمد الثاني العرشَ ثانيةً و هو في ال19 من العمر ، تغيرت سياسة الدّولة مرّة أخرى حيث أن السلطانَ الشاب سيتبنّى بالفعل سياسة أكثر استخداماً للقوة العسكرية من والدِه.
و الآن قبلَ أن نذْهَبَ للحَديثِ عن آخرِ سلطانٍ عثمانيٍّ في هذهِ الحلقة ، ينبغي لنا أن نتحدَّثَ عن بعضِ جوانِب أخرى مِن هذه الإمبراطورية. و مِن أهمِّ مميزاتِ هذه الدولة هو دور الجنود و الفِرقة الإنكشارية الّتي أتينا على ذكرها: كانَ السلطانُ مرادٌ الأوّل (حكمَ 1362 – 1389) هو أوّلَ مَن أدرَكَ من السلاطين العثمانيينَ أنّ استدعاءَ الجنود من القبائل التركية المتحالفة معهم لا يُعتمَدُ عليها لبناءِ دولةٍ راسِخةٍ طويلةِ الأَمَد و أنّهُ كانَ لا بُدَّ من قوة عسكرية محترفة تدينُ بوَلائها للسلطان. الإنكشاريون أو Janissaries كما يٌسَمّوْنَ بالإنگليزية و هذا الإسم مُشْتَقٌّ من التعبير التركي يني چَري و الّتي تعني الجُنودُ الجُدَد. كانَ هذا الجَيشُ الّذي بدأَ تأسيسُه سنة 1370 يُعْتَبَرُ الحَرَسْ الخاصَّ بالسلطان ، لكن و خلالَ فترةٍ قصيرة تحوّلَ هذا الجيش إلى جيشٍ منظّم و كانَ بذلكَ أولَّ جيش منظَّم في تاريخِ أوروپا الحديث. في البدايةِ كانَ السلطان يُجَنِّد الرّجال من أسرى الحَرْب. و خلال الثمانيناتِ من القرنِ الرّابع عشَر بدأ فَرضُ ضريبة دفيشرمه أو ضريبةِ الأطفال. في هذا النظام تَمّ فرْضُ ضريبة على كلّ عائلة مسيحية تَعيش في الدولة العثمانيّة – حَسَبَ حاجة الجيش – أن تدْفَعَ واحِداً مِن أبناءها الذكور ذوي الصّحّة و البنية السليمة ليَتِمّ تربيته على الإسلام و إطاعة السّلطان إطاعةً عمياء و كانَ يَتمّ إطعامهم و رعايتهم و تثقيفهم بحيث يصبحونَ عثمانيين عقلاً و ثقافةً و إلى جانِبِ هذا كانوا يَتلقّونَ تدريباً عسكريّاً شاقّاً. طَبعاً تمّ مَنعُ المسلمينَ عموماً و الأتراكِ خصوصاً مِنَ الانخراطِ في الجيش الإنكشاري حتّى لا يتِمّ نشوءُ طَبقةٍ ارستقراطية قَد تنافِسُ السلطان على شرعيّته.
كانَ هؤلاءِ الإنكشاريونَ يسمّوْن قوول أو عبيد السّلطان و لكِن فِعلياً على أرْضِ الواقِع لَم يكونوا عبيداً بالمعنى العام بل فقط عليْهم التزامات عسكرية و كانوا يتلقّونَ أجراً و امتيازاتٍ على خدماتهم. و مَعَ تَوسُّع مصادرِ التجنيد للإنكشارية ، أصبحوا نوعاً مِن فِرقة النخبة الممتازة في الجيشِ و الإدارة. و بحلولِ معركة كوزوفو في سنة 1389 كانَ عدد الإنكشاريين قَد بلغ 2000 من المقاتلين. و تحتَ حُكمِ محمد الثاني الفاتح في فترته الأولى و فترته الثانية كان عدد الإنكشاريين قد بلغَ ال5000 و لينتهي حكمه (سنة 1481) بوجود 10,000 مقاتل إنكشاري. بحلول منتصف القرن ال16 كان عدد المقاتلين يتراوَح بين 12,000 مقاتل و 7500 إنكشاري مبتديء (عجمه أوغلان) تُدْفع رواتبهم من خزينة الدولة المركزية. رغْم أن عدداً كبيرا من هؤلاء تمّ تمركزهم في ثكناتِهم الأساسية في إسطنبول (القسطنطينية سابِقاً) إلّا أنّ عدداً لا بأسَ به منهم كان يُرابطُ على الحدود. في ستينيّات القرن ال16 – على سبيل المِثال – تَمّ وضع فرقٍ إنكشارية في إقليم بودا القريبة من العدو الأساسي للعثمانيين في تلك الفترة ألا و هم أوستريا – النمسا – الهابسبورگية. كانَت أسلحة الإنكشاريين تتكوّن عادةً من الأقواس و السّهام و أيضاً بنادِق السهام و الرماح. و في ظلّ السلطان مراد الثاني تمَّ إضافة بنادِق إشعال الفتيل الّتي كانت تتطلّب عملا حثيثا لإطلاق رصاصة واحدة بين حين و آخر و لكن تَطَلَّبَ الأمر قرْناً آخر – أي منتصف القرن ال16 - لاستعمالِ بنادقَ حية. في سنة 1523 شارك حوالي 3500 إنكشاري مدججين ببنادق في حملة عسكرية ضِدّ متمردينَ في مصرَ. مرادٌ الثالث (حَكَم 1574 – 1595) كانَ أوّلَ من أدخل بندقية إشعالِ الفتيل إلى ترسانة الجيش الإنكشاري و كان هذا السلاحُ من أحدَثِ المخترعات العسكرية و قد أُخْتُرِعَ و أُستُعْمِلَ في إسبانيا. و في القرن ال17 حصَلَ الإنكشاريون على بنادق أحدث حيث يقدح الشرر بواسطة قطعة حجَرِ صوانٍ و يمكن للجنود إطلاق رصاصاتٍ أكثر بفضلِ هذا الاختراع. كانت هذه الأسلحة النارية مميتة لاؤلئك الّذينَ يجابهون الإنكشاريين و كانَ هؤلاء الجنود يُتقِنونَ التصويب في أوضاعٍ مختلفة و بأقلَّ جهدٍ مِن ذلك الّذي كانَ يُبذل مع الأسلحة القديمة. كانَ حاملوا البنادق يُشَكّلون تسعةَ صُفوفٍ و كلّما أطلَقَ صَفٌّ النار ينْسحب و يترك المجالَ للصَفِ الثاني و مِن ثُمّ يترُك الصّفُّ الثاني مكانه للصّفِّ الثالث و هكذا كانَ الجّيش الإنكشاري قادراً على سَحْقِ الخصومِ بكفاءةٍ عالية. كانَت هذهِ البنادِق الإنكشارية فعّالةً إلى درجة أنّ المؤرّخينَ المعاصِرين للإنتصارِ العثماني على الهنگاريين في معركةِ موهاكس سنة 1526 عزَوْا هذا الانتصارَ لبنادِقِ الإنكشاريين و فقط بعدَ قرونٍ من هذه المعركة جادَل بعضُ المؤرّخينَ أنّ المدْفعية العثمانية كانَ لها الفَضلُ في هذا النَّصْر. بَقي الجنودُ الإنكشاريون محترفينَ في التصويب حتى القرن ال17 حَيث كانَ هؤلاء الجنود يتدرّبون بشكلٍ متواصِل و لكنّنا نسمَع من المؤرّخ المجهول الهُوية لكتابِ "قوانين الإنكشارية" سنة 1606 عن تذمّر الجنود الإنكشاريين من أنّهم اضطروا لاستعمال فتيلهم لإيقادِ النّار بدلاً من الرّمي. بحلول الحرب الهنگارية-النمساوية مَعَ العثمانيين الّتي امتدت مِن 1595 و حتّى 1606 كانَ الإنكشاريون قَد فقدوا أفضليتهم في استعمالِ البنادق حَيثُ لاحَظ المؤرّخونَ العثمانيّون أنّ الإنكشاريين لم يستطيعوا مجابهة رُماةِ الهنگاريين و النمساويين الهابسبورگ. في سنة 1602 كَتبَ الصّدر الأعظم (و هو رَيسُ الوزراء العثماني) مِن جبهاتِ القتالِ معَ الهنگاريين يقول: "سواءٌ في ساحة المعركة أو في أثناءِ الحصار ، نجد أنفُسنا في وَضْعٍ عسير ، لأنّ غالِبيّة جَيشِ العدو هم من المشاةِ المدَجّجين بالبنادِق بينما غالبيةُ جنودِنا هم مِنَ الفرسان و لَدينا خبراءٌ قليلون جدّاً في الرَّمي". لمجابهة الحجم المتزايد للرماة و حاملي الأسلِحة النارية الهابسبرگيين ، قرّر العثمانيون زيادة عديدِ حاملي الأسلحة الناريّة في الفِرَقِ الإنكشاريّة. بينما كانَ عَدد الإنكشاريين يبلغُ في نهاية سنة 1569 حوالي 12800 جنديٍّ ، فقد كان بَلَغ حوالي 37,000 مقاتل بحلول سنة 1606 و تضاعَف ليصل في نِهاية القرن السّابِع عشر لما يَتراوح بين 50 إلى 54 ألْفَ مقاتِل. لاستيعابِ هذا العدد الكبير مِن المُجَنّدين ، اضطَرّ العثمانيون إلى قبولِ الأتراك و المُسلمين مِن مختلف القوميات في الفِرَقِ الإنكِشارية. هذه السّياسة قلّلَت مِن كفاءةِ الإنكشاريين كَما أنه أرهقَت ميزانية الدّولة منذ سنة 1590. و في القَرْن ال17 – أي بعدَ سنة 1600 – أقرّت الحكومة العثمانية مَنْحَ تراخيصَ للإنكشاريين في ممارسة التجارة أو العثور على مِهنة لزيادة مداخيلهم. و بحلولِ القرن ال18 أصبَح العديد مِن الإنكشاريين مُلاّكاً و تُجّاراً أغنياءَ مستثنينَ مِنَ الضرائبِ كدَعمٍ لخدماتِهِم العسكرية الّتي كانوا يتقاضونَ رواتِبَ عليها ، بينما في الواقِع نسبةٌ قليلةٌ جدّاً مِنَ الإنكشاريينَ كانَت تتوجّه لِجَبهاتِ القتال و كانَ حتّى هؤلاءِ يؤدّونَ مهامهُم بِشَكْلٍ بائِس. و في هذِه المرحلة المتأخِّرة كانَ الإنكشاريون يعيشونَ أبْعَدَ ما يكون عن الحياةِ العسكريةِ الصّارمة للإنكشاريين الأوائل. أصْبَحَ المقاتِلون الإنكشاريونَ متزوجينَ و أصحابَ أطفالٍ و عوائل و علاقاتٍ و التزاماتٍ اجتماعية في المدن و بالتّالي لا يملكونَ ذلك الاهتمامَ و الاشتياق لمواجَهة العدو على جبهاتِ القتال. إلى جانِبِ ذلك حَرِصَ الإنكشاريون على الاحتِفاظِ بامْتيازاتهم و رفْضِ أيّ إصلاحاتٍ قَد تستهدِف موقِعهم الاقتصادي أو الاجتماعي. إلى جانِبِ تضاؤلِ قيمَتهم العسكرية في القرن ال16، لَم يكونوا يُحسنونَ حتى خدماتِهم الجانبية في ثَكَناتِهم العسكرية كالحراسة و تَوفيرِ الأمْنِ و العَمَل كإطفائيين. و في أواخِر القرنِ ال16 كانَ الفسادُ منتشراً كالوباء بين الإنكشاريين و بدلاً مِن توفيرِ الأمانِ للمدُن فقد أصبحوا سَبباً في الإرهابِ و إرعابِ الإهالي. على سبيلِ المثال ، في حَريقِ إسطنبولَ سنة 1588 و بدَلاً مِن إطفاءِ النارِ انخرَطَ الإنكشاريون في النّهبِ و السّلب. كانوا أيضاً يثيرون الشَغَبَ إذا تعرضت مواخيرهم و حاناتُهُم و دور القهوة أو تجارتُهم لتهديدٍ كالإغلاقِ مثلاً. و على مَرِّ القَرنين ال17 و ال18 تزايد رفضهم و شَغَبهم إلى حدِّ أنّهم رفضوا كليّاً إصلاحاتِ السلطانِ سليم الثالث (حكم 1789 – 1807) بل و أنهَوا حُكمه باغتياله و بهذا أصبحوا الصّانِعين للسلاطين بعدَ أن كانوا حُماتَهم في الماضي. السلطانُ محمود الثّاني (1808 – 1839) خَطّط لإصْلاحاته العسكرية بحذَرٍ شديد و قَرّبَ رجال الدين و داعميهِ في الجيش و عِندَما أعلنَ إصلاحاته سنة 1826 و ثارَ الإنكشاريون ضدّهُ فَقَد كانَ مسْتعِداً لهم حيثُ كانَ لديه حوالي 12000 مدفعيّ و بَعْدَ أن أحْرَقَ ثكناتِ الإنكشاريين و قَتَلَ ما يُقارِب ال6000 إنكشاري و تَبِعَ ذلك حملة تطهيرٍ قَتَلَت عدَداً أكبر و سارَع الناسُ في عدةِ مدن للإنتقام و قتلهم للخلاصِ مِن طغيانِهم. كانَ القضاء على الإنكشارية أمراً اعتبره كثيرٌ مِنَ الناس حدثاً سعيداً إلى حدّ أنّهم أسموه بـ"الحادِث الميمون" لأنّه فتح البابَ لكثيرٍ من الإصلاحات.


محمد الثّاني الفاتح (حكم الفترة الأولى 1444 – 1446 حكم الفترة الثانية 1451 – 1481)
كانَ محمّد الثاني هوَ الإبن الرابع للسلطان مراد الثاني و كانَ محمّد الثاني الّذي سُيُعْرَفُ لاحِقاً بمحمد (الفاتح) بعد فتحه – غزوه – للقسطنطينية سنة 1453 هو السُلطانُ السّابع للإمبراطورية العثمانية. وُلِد محمد في ال30 من مارس سنة 1432 في أدرنة التي كانت آنذاك عاصمةً للإمبراطورية و رَغْمَ محاولات المؤرخين و الباحِثين العثورَ على أي معلوماتٍ عن هويةِ والِدة هذا السلطان ، يبقى الاستنتاج الوحيد الّذي يخلصونَ إليه هو أنها كانَت سبيّة من أصلٍ غير مسلم ، مسيحية على الأرجح. كذلكَ السّنواتُ الأولى لطفولته تبقى غامضة و جُلُّ ما يَعرِفُه المؤرخون هو أنّ مراداً الثاني أرسلَه هو و أمّهُ إلى أماسيا سنة 1434 حيثُ كانَ أخوهُ – غَير الشّقيق - الأكبر أحمد چَلَبي يحكم (1430 – 1437) و أيضاً نجد أخاه علاءَ الدّين علي چَلَبي (1425 – 1443) حاضِراً في حاشيةِ محمّد. عِندما ماتَ أخوه أحمد چلبي فجأةً سنة 1437 تمَّ تسليمُ إدارة و حكم المدينة إلى محمّد الذّي كانَ لا يزالُ طِفلاً ، بينما تمَّ إرسالُ أخيهِ علاءَ الدّين علي چَلَبي إلى مانيسا في غَرْبِ الأناضول كحاكِمٍ عليها. بَعدَ سنتين مِن ذلك ، أي في سنة 1439 استدعى السلطان مرادٌ الثاني ولَديه إلى أدرنة حيثُ تَمَّ ختانُهما و أرسَلَ محمّد ليحكم مدينةَ أخيه علاءَ الدّين علي چَلَبي مانيسا ، بينَما أُرْسِلَ علاءُ الدّينِ إلى أماسيا حيثُ كان محمّد حاكماً. يَعْتَقِد غالبية المؤرّخينَ أنّ أخاه علاءَ الدّين علي چَلَبي كان أكْثرَ حظوةً لدى أبيهِ خصوصاً أنّ الأميرَ علاء الدّين كانَ ناجِحاً جدّا في حملةِ أبيه ضِدَّ إبراهيم بگ القرماني سنة 1443 و لكنّ علاء الدّين اغتيلَ في نَفْسِ السّنة. رَغْمَ غموضِ اغتيال الأمير علاء الدّين چلبي ، هناك رأيٌ يَذْهَبُ إلى أن السّلطان مراد هو نفسُهُ الّذي أمَرَ باغتيال ابْنهِ ، بينما يصِرُّ آخرونَ على أنّه ذَهَبَ ضحيّة الرّجال القائمينَ في خدمةِ أبيهِ السلطان و خلافاتهِم. و في هذِه الأثناء و لأنّ محمد أصبحَ الوريثَ الوحيد الشرعي لأبيه ، لذا أحضَرَهُ والِدهُ إلى البلاط – رغم أنّ عمرهُ كان 9 سنواتٍ لا أكثر – لكي يَحْصُلَ على خِبرة في إدارة الأُمور. في هذِهِ الأثناء ، غادَر جَيشُ الحملة الصّليبية العاصمة الهنگارية بودا متوجهاً للبلقان حيثُ تمّ إيقافهم مِن قِبَل الجيش العثماني قرب صوفيا البلغارية. و نَحنُ نعرِف كيف استطاع محمّد الثاني أن يحصُلَ على خبرة في الحُكْمِ كسلطان رغم أنّه كان في ال12 من العمر عندما سلّمه و الده الحكم و نحن نعرفُ الظروفَ الّتي أدّت لعودة مرادٍ للحكم سنة 1446. لكن بحلولِ شباط سنة 1451 توفي مُرادٌ الثاني و كانَ محمّد الثاني في مانيسا حينما توفي والدُه فأسرَع إلى أدرنة و اعتلى العرش في ال18 من شباط فبراير و أقَرَّ جميعَ وزراء أبيهِ بما في ذلِك الوزير خليل پاشا چاندرلي ، كما أن محمّد الثاني وقَّعَ أمراً بقتْلِ أخٍ رضيعٍ له حتّى لا ينافسه على السّلطنة – و هي عادةٌ سَتُصْبح قانوناً يحتذيه السّلاطين في قتلِ إخوتهم و بتبريرٍ من الفُقَهاءِ الّذين يحلّلون للسلطان ارتكاب أيِّ جريمة تحتَ ذريعة "دَفْع الضَّرَر و درءِ المَفْسدة" ، و هذا ليسَ حَصراً على الإسلام حيثُ أنَّ غالبية الأديان يُمكن استخدامها إلاّ أنَّ الإسلام يبقى مُتَمَيِّزاً في هذا المِضمار. الأَشْهُرُ الأولى مِن حكمهِ كانَتْ هادئة حيثُ أقَرّ ذات الاتفاقيات و المعاهداتِ الّتي كانَت سارية المَفعول بين العثمانيين و الجنويين و الصِّربيين و البَنادقة و إماراتِ البلقان ، كما أنّه بادَرَ لِطَرْحِ هُدْنة معَ الهنگاريين لثلاثِ سنواتٍ قادِمة ، هذهِ المعاهدات أتاحت له أن يقومَ بتنحية إبراهيم بگ القاراماني الّذي كانَ يتهيأُ للتمرّد ضِدَّ البلاط العثماني في منطقةِ الإناضول. لكن ، مِن ناحيةٍ أخرى ، تسارَع التغيير في سياسةِ محمدٍ الثاني الّذي أطلَقَ حملةَ بِناءٍ لأبنيةٍ ضخمة في عاصمتهِ أدرنة و كانَ مِن ضِمْنها قَصْرٌ باذِخ و إلى جانِبِ هذا بدأَ سياسةً عدائية تحديداً ضِدَّ البيزنطيين و عاصمتِهِم القسنطنطينية ، و على ما يبدو كانَ لبلاهة الإمبراطور قُسْطَنطين الحادي عشَر دورٌ في إثارةِ غَضَبِ السلطان إذ أظهَر موقفاً صلباً ثمَّ قَدّمَ عرضاً يَعكِس ضعفَ موقِفِ الإمبراطور و أسرَع محمد الثاني سنة 1452 بإنشاءِ حِصْنٍ على الجانِب الأوروبي من مَضيقِ البوسفور المسمّاةِ قلْعة روملي حيصاري الّتي بالفعل خَلَقَت حضراً قوياً على القسطنطينية. و هكذا قضى محمد الثاني خَريفَ 1452 و ربيعَ سنةِ 1453 في التّحضيرِ للغزو النهائي لجوهرة الشّرق ، القسطنطينية.
أمَرَ السلطان بصَبِّ كمّياتٍ هائلة من الصُلْبِ و الحَديدِ لبِناءِ مَدافِعَ ضخمة بحَيث تستطيع دكَّ أسوار القسطنطينية الّتي ليس لها مَثيل. غادَرَ السلطانُ و جيشه الضّخْمُ العاصِمة أدرنة في مارس آذار 1453 و وصَلَ إلى أسوارِ القسنطينية في ال6 من إبريل في نفسِ السّنة. محمد الثاني استمَرَّ في حِصارِ المدينة لـ54 يوماً و كانَ النّصرُ غَيرَ مُحتّم حتى الهجوم الأخير على أسوار المدينة في ال29 من مايو أيار حَيثُ تَرَكَ جنودهُ يعيثونَ فيها فساداً و تخريباً لثلاثةَ أيام. و هذا ليسَ بعجيبٍ صدوره من سلطانٍ لم يَجِد حرجاً من قتلِ حتّى أخيهِ الرّضيع. كما أنَّ العثمانيين أخذوا الآلاف مِنَ النساء و الأطفال و الرجال و قيّدوهم بأغلال الحديد و باعوهم في أسواقِ العبيد في أدرنة و باقي الأناضول. بَعدَ ثلاثةِ أيّامٍ من استباحة المدينة ، أخيراً قرّر السلطان محمد الثاني وقفَ التخريب و الاعتداءِ على سكّانِ المدينة و توجَّه إلى كَنيسة هاگيا سوفيا الّتي هي أشبَهُ بقِبْلَةِ المسيحية الأرثوذوكسية و حوّلها إلى مسجد و سَمّاها آية سوفيا و هنا نَجِد هذه المفارقة التاريخية في أنّ مُجرِمَ حرب رغمَ كلّ الدّماءِ الّتي أهرقها فهوَ قادرٌ على أنْ يحوزُ قلوبَ الملايين لمجَرّدِ لعبِهِ على وتَر المقدّس و طالَما أنَّ ضحاياهُ من أتباعِ دينٍ آخِر فلا مشكلةَ في ذلك. نَجِدُ معجبي هذا السلطان يستنكرون و يشجبون نفسَ أساليب محمد الثاني (الفاتِح) عندما يرتكبها غيره بِحَقّ المسلمين. و هكذا ، كلّ دين يَنزع إنسانية غيره و يبكي فقط على فريقه. قرّر محمد الثاني تغييرَ اسم القسطنطينية إلى إستانبول و هذه المدينة ستبقى عاصمةً للدولة العثمانية حتّى قيامِ الجمهورية التركية في القرن العشرين و هيَ مدينة ذاتُ أهمية ستراتيجية و اقتصادية لأنّها تَقَعُ على ضفتيْ البوسفور – الجانبينِ الآسيوي و الأوروپي – الّذي يوصِلُ البَحْرَ الأسود بِبَحْرِ مرمرة. سقوطُ القسطنطينية غيرَ الكَثير مِنَ المعادلاتِ السياسية إذ دَفَعَ السّلاطين العثمانيين الّذين كانوا أصلاً يستَخدمون لَقَب خاقان – الملك بالتركية و يستخدمون لقب قرال أيضا و هي تَعني ملك بالتركية - إلى رؤيةِ أنفسهم كجامعين لسلطة أباطرة الرّوم حَيثُ لَقّبَ محمد الثاني نفسه بالفاتح و بالقيصر و خلال قرنٍ واحد سيَنْتَزعُ العثنانيون لأنفسهم لَقَبَ الخلافة مِن آخرِ خليفةٍ عباسي في مِصْر أيضاً رَغْمَ أنّ بايزيد الأول كانَ قَد أعلَنَ نفسه خليفة للمسلمين و هكذا يستمر السلطان كحاكمٍ مدعومٍ بقوة الأرض و مباركة السماء إلى أن يَقولَ التاريخُ غير ذلك. كذلكَ منح سقوط القسطنطينية أوروپا الغربية فُرصةً لاستكشافِ تراثِها الوثني الإغريقي الروماني حيْثُ فرَّ آلآلاف القسيسينَ و الكتّابِ حاملين آلافَ المخطوطات من مُختَلَف اللغاتِ اليونانية و اللاتينية الّتي استَعْملها الرّومان في الغرب و الأرْجَح أنّهم امْتَلكوا مخطوطاتٍ آرامية و عربية و فارِسية أيضاً لِتَفْتَحَ عيونَ أوروپا على عَصرِ النهضة و عصر الشّك. أمّا للروس الأرثوذوكس شَمالاً فقدَ أتاحَ سقوط القسطنطينية للملوكِ الرّوسِ الفرصة لتحويل عاصِمتِهم موسكو إلى روما الثالِثة لأنَّ القسطنطينية كانَت تُسَمّى "روما الثّانية" تيمُناً بروما الّتي كانَت عاصمة الجمهورية الرومانية و هَكذا فُتِح الباب لقرونٍ مِنَ الصّراعِ العثماني – الروسي. بَعَدَ أن أنهى محمد الثاني الامبراطورية البيزنطية و قضى على طَبقةِ النّبلاءِ البيزنطية ، إمّا بالقَتْلِ أو الاستعباد ، التَفتَ إلى الوزيرِ خليل پاشا چاندرلي و عَزلَه من رئاسة الوزراء ثمّ أوعز بقَتلهِ و عَيَّنَ مكانه زاگانوس پاشا المسلم الإنكشاري ذو الأصْل المسيحي الّذي كانَ يرسم لمحمد الثاني سياساتهِ التوسعية. سارَع محمد الثاني (الفاتِح) إلى نقلِ عاصمتهِ مِن أدرنة إلى إسطنبول و قامَ بحملةِ بناءٍ ضخمة مع جَلْبِ المزيد مِنَ السُّكان – مُسْلِمين و مسيحيين – بانياً مناطِقَ سكنية كاملةً حولَ المسجد إلى جانِبِ أسواقٍ و محالٍّ تجارية و بنى قُصوراً كانَ أحدُها يُسمّى القَصْرَ القديم و الآخَر يسمى القصرَ الجديد أو قصر توپكاپي الذي يُطِلُّ على ملتقى البوسفور و القرن الذّهَبي و بَحْرَ مرمرة. و هكذا ، فإنّ كلّ ما كانَ يَطمَح لهُ محمد الثاني هو توسيعُ ملكهِ على حِساب الدولِ القريبة منه و كلُّ هدفه كانَ القَضاء على هذه الدول – مسيحية كانت أمْ مسلمة – إذ كانَ الدّين بالنسبة لهُ مُجَرّد شِعار. ضَمَّ محمد الثاني ما تبقى مِن إدارياتٍ بيزينطية هنا و هناك ، و لاحِقاً ضَمَّ صِربيا 1457 ثُمَّ البوسنة بدءاً مِنْ سنة 1461 حتى 1463 و بعدها شَنَّ حرباً شَعواءَ على البندقية Venice المدينة التجارية الإيطالية المعروفة و امتَدَّتْ هذِهِ الحَرْب مِن سنة 1463 و حتى 1479 و قد سَيطَر العثمانيونَ على نيگروپونته سنة 1470 و الّتي كانَتْ مَركزَ التجارة و الحكم البندقي في وسط اليونان. بينَما بَقيَ الوجودُ العثماني ضعيفاً شَمال نَهْر الدّانوب و قَد كثّفوا محاولاتهم العديدة لاحتلال بلگراد و الّتي فرضوا عليها حِصاراً فاشلاً سنة 1456 و لكنّ هذه الجهود باءت بالفشل و في سبيلِ إبقاءِ الهنگاريين ضعفاء ، كانَ الجّيشُ العثماني يشنُّ هجماتٍ ذاتَ طبيعةٍ إرهابية في سبيل تحقيق أكثَرَ مِن هدفين كالحصولِ على المَزيد مِنَ العبيد و إرعابِ السكّان المحليين و إبقاء الهنگاريين غيرَ قادرين على الهجوم. بقيت منطقتا والاكيا و مولودوفا منطقتين خطيرتين للعثمانيين بِسَبَب العدوانية الّتي واجهَتهم عسكرياً. إلى قُرابةِ نهايةِ حكمهِ ، استطاعَ محمد الثاني القَضاءَ على تجارة جنوة و هي مدينة تجارية إيطاليّة أخرى منافِسة للبندقية كما أنّ محمّداً الثاني نجَحَ في إخضاعِ الخان المغولي في منطقة القُرم كتابِعٍ للسلطنة العثمانية 1478 و بهذا أصْبَحَ البَحْر الأسودَ و لثلاثِ قرونٍ تالية يُسَمّى البُحيرة العثمانية. في مَنطقة الأناضول – من ناحيةٍ أخرى – قامَ محمد الثاني بِضَمّ الإمارات التركية إما بالقوة العسكرية أو عَبْر الزواج. بعدَ صِراعٍ شاق تَمّ تحييد الإمارة القارامانية سنة 1468 ثُمَّ ضَمها كجزءٍ من الإمبراطورية سنة 1474 و لكن كانت هناك مجموعة قبائل تركية متّحدة تسمّى آق قوينلو (تعني الخَروف الأبيض بالتّركية) ذاتُ بأسٍ و قوةٍ لا يستهانُ بها يقودُها شَخص يدعى أوزون حَسن و لكنّ محمد الثاني استطاعَ إضعافهم بعدَ أن هزمهم في معركة (اوتلوك بلي) سنة 1473. في السَنوات الأخيرة لِحكمه أصبحَ تطبيق سياساتِه أكثرَ صعوبة بسبب إيغالِه في السِّن و تراجُع صِحّته. هذا التوسّع الكبير جَلَبَ مشاكِلَ أخرى ، كالصّراع مع الهنگاريين في البلقان و أيضاً الصّراع معَ مماليكِ مِصْر و هو ما لن يُحَلّ لصالِح العثمانيين إلى حين مجيء حفيدِ محمدٍ الثاني أي السلطان سليم الأول (حكم 1512 – 1520). كانَ لدى محمد الثاني رغبةٌ في غزو إيطاليا و الاستيلاء على عاصِمة المسيحية الأولى روما و لكنّ محاولة العثمانيين هذهِ باءت بالفَشَل إذ تمّ إجهاض العملية العسكرية العثمانية عند وصولها أوترانتو بسبب وفاة هذا السلطان سنة 1481. إلى جانِبِ شهرة السلطان محمد الثاني بِلقب الفاتِح لغزوه و استيلاءِهِ على القسطنطينية و تَوسيعه لِحدود الدولة العثمانية ، لكنّهُ عُرِف بكوْنِهِ السلطان الّذي رسَّخَ مركزية السّلطة و أيضا بفرضِهِ احتكار الدولة للاقْتِصاد و فَرضهِ نضاماً ضريبيّاً باهِضاً و مَكروهاً مِنَ النّاس. و بفَضلِ هذا النظام تمكّنَ محمد الثاني و على الرّغْم من مشاريعهِ العسكريّة و العِمرانيّة الباهِظة من أن يترُكَ في الخَزينة 3 ملايين و نِصف دوقات ذهبي عِنْدَ وفاته ، و هو مَبلغٌ ضخم. كذلكَ تسبَّبَ مصادرته لعددٍ كبير من الأراضي المَملوكة إلى تذمّر المُلاّك. شخصيته اللا أبالية و المرتَكِزة على مبًدأ الغاية تُبَرّر الوسيلة تتوافَق تماماً معَ طرْح أشْهَرِ مفكّرٍ سياسي مُعاصِر له ، ألا و هو ماكيافيللي الّذي مَدَح في كتابه "الأمير" أن يمْتَلِك كلّ الصفاتِ الدّنيئة طالَما أنها تَخدم بقاءَ الأميرِ على رأسِ هَرَم السّلطة ، و كانَ محمد الثاني هو الّذي رَسّخ فكرة قَتْلِ الإخوة لِمَنعِ انقسامِ السلطة ، كَما حَصَلَ معَ أبناءِ بايَزيد الأول الّذي خاضَ أبناءه حَرباً شرسةً بمجَرّدِ أن هُزِمَ والِدُهم أمامَ تيمورلنگ. أيضا ، محاولة البعْض تصويرَ محمد الثاني و كأنّه ذلك المسْتَبِدّ المستنير هي محاولةٌ غَيرُ ناجحة لَوْ أخَذنا في الحُسبان أنّه كان يؤكّد كثيراً على الإلتزامِ الديني و هوَ ما يَدُلّ على أنّ همّهُ الأول و الأخير كانَ ضمانَ السّمْعِ و الطاعة مِن الرّعايا لا أكثرَ و لا أقَلّ. توفيَ محمد الثاني في ال3 مِن أيّار مايو سنة 1481 غالِباً بِفِعلِ سٌمٍّ دَسَّه له إبنه و وليُّ عهدهِ بايزيد الثاني (حَكَمَ 1481 – 1512) و قَد كانَ محمد الثاني في مُعَسكرِه في الأناضول إمّا لغزوِ جزيرةِ رودِس الواقعة جُنوبَ غرب تركيا الحالية في الأرخبيل اليوناني أو ضِدَّ مماليكِ مِصْرَ. طبعاً ، حُكْم سلطانٍ مُستَبِدّ كمحمد الثاني لن ينتَقِل بسلاسة إذ أنّ صراعاً طَويلَ الأمَد على الحُكُم بدأَ على الفورِ بين بايزيد الثاني و أخيه الأمير جَمْ و نُشوبِ تمرداتٍ قصيرة الأمَد لكن عنيفة بين الإنكشاريين و البِلاط. رَغم أنّ بايزيد الثاني عَطّلَ العديد مِن قوانين أبيه ، لكن التغييراتِ الَتي أحدَثها محمد الثاني شَكّلت تغييراً عميقاً في الشخصية العثمانية و شَكل الدولة.
بدأنا هذا الجُزء مَعَ بزوغ إمارةٍ تركية صغيرة كأيِّ إمارة أخرى ، لكن و لأنَّ هذه الدولة و نواتها الأولى لم تكن مُلتزمةً جدّاً بالدّين ، أمكنها أن تخلَقَ لنفسها أصْدِقاء مِن خلفياتٍ دينية عدة و أعراقٍ متعددة ، لكنّ هذه الدولة – على ما يبدو – اضطرّت إلى تبنّي الدّين أكثَرَ فأكْثر كلّما زادت حدودها اتساعاً لاضطرارها للبَحْث عن شرعية إضافية إلى جانِب الغلبة و القوة العسكرية ، و نحن لا يمكننا أن نتخيل كيف كان سيبدو تاريخ الشرق الأوسط لو كان أرطغرل والِد عثمان قد اعتنقَ المسيحية أو أي دينٍ آخر ، كَيفَ كان سيبدو الشرْق الأوسط. إلى لقاء






أقسام الحلقة:
المقدمة: 0:00
من هم الأتراك و العثمانيون؟: 7:30
بدايات الدولة العثمانية و عثمان بن أرطغرل: 14:37
السلطان أورهان بن عثمان: 25:16
السلطان مراد الأول: 36:24
السلطان بايزيد الأول و تيمورلنگ: 54:40
السلطان محمد الأول و الحرب الأهلية العثمانية: 128
ثورة القاضي الشيخ بدر الدين السيفاسي: 1:19:18
السلطان مراد الثاني: 1:24:47
مختصر لتاريخ الإنكشارية: 1:47:52
السلطان محمد الثاني (الفاتح): 1:59:39
الخلاصة و الخاتمة: 2:19:15



  رد مع اقتباس
قديم 10-06-2021, 05:15 AM حفيد صلاح الدين غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
حفيد صلاح الدين
موقوف
 

حفيد صلاح الدين is on a distinguished road
افتراضي

تاريخ حروب الدولة العثمانية كلها تعتبر صفحة ناصعة البياض مقارنة بقصف النووي الامريكي للمدن اليابانية الاهلة بالسكان هيروشيما وناكازاكي وهي تعتبر اكبر جريمة ارهابية في تاريخ البشرية ولم اجد ملحدااا واحدا كتب مقالة عن وحشية قصف النووي الامريكي لليابان يعني اعمل نفسك ميت ولكن السنتهم طويلة على الاسلام فقط



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع